أَعْوَانَ مَلَكِ الْمَوْتِ يَقْبِضُونَهُ فَيَدْفَعُونَهُ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ فَيَقْبِضُ رُوحَهُ، كَمَا قَالَ: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ)، وَقِيلَ الْأَعْوَانُ يَتَوَفَّوْنَهُ بِأَمْرِ مَلَكِ الْمَوْتِ، فَكَأَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ تَوَفَّاهُ لِأَنَّهُمْ يَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالرُّسُلِ مَلَكَ الْمَوْتِ وَحْدَهُ، فَذَكَّرَ الْوَاحِدَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَجَاءَ فِي الْأَخْبَارِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيْ مَلَكِ الْمَوْتِ كَالْمَائِدَةِ الصَّغِيرَةِ فَيَقْبِضُ مِنْ هَاهُنَا وَمِنْ هَاهُنَا فَإِذَا كَثُرَتِ الْأَرْوَاحُ يَدْعُو الْأَرْوَاحَ فَتُجِيبُ لَهُ، ﴿وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ لَا يُقَصِّرُونَ.
﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ، وَقِيلَ: يَعْنِي الْعِبَادَ يُرَدُّونَ بِالْمَوْتِ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ، فَإِنْ قِيلَ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ جَمِيعًا وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: "وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ" (مُحَمَّدٍ، ١١)، فَكَيْفَ وُجِّهَ الْجَمْعُ؟ فَقِيلَ: الْمَوْلَى فِي تِلْكَ الْآيَةِ بِمَعْنَى النَّاصِرِ وَلَا نَاصِرَ لِلْكُفَّارِ، وَالْمَوْلَى هَاهُنَا بِمَعْنَى الْمَلِكِ الَّذِي يَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالِكُ الْكُلِّ وَمُتَوَلِّي الْأُمُورِ، وَقِيلَ: أَرَادَ هُنَا الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً يُرَدُّونَ إِلَى مَوْلَاهُمْ، وَالْكُفَّارُ فِيهِ تَبَعٌ، ﴿أَلَا لَهُ الْحُكْمُ﴾ أَيِ: الْقَضَاءُ دُونَ خَلْقِهِ، ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ أَيْ: إِذَا حَاسَبَ فَحِسَابُهُ سَرِيعٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلى فكرة ورؤية وَعَقْدِ يَدٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ﴾ قَرَأَ يَعْقُوبُ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِالتَّشْدِيدِ، ﴿مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ أَيْ: مِنْ شَدَائِدِهِمَا وَأَهْوَالِهِمَا، كَانُوا إِذَا سَافَرُوا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَضَلُّوا الطَّرِيقَ وَخَافُوا الْهَلَاكَ، دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَيُنْجِيهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ أَيْ: عَلَانِيَةً وَسِرًّا، قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ " وَخِفْيَةً " بِكَسْرِ الْخَاءِ هَاهُنَا وَفِي الْأَعْرَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ، ﴿لَئِنْ أَنْجَانَا﴾ أَيْ: يَقُولُونَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا، وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: لَئِنْ أَنْجَانَا اللَّهُ، ﴿مِنْ هَذِهِ﴾ يَعْنِي: مِنْ هَذِهِ الظُّلُمَاتِ، ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ وَالشُّكْرُ: هُوَ مَعْرِفَةُ النِّعْمَةِ مَعَ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا.
﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) ﴾
﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَبُو جَعْفَرٍ " يُنَجِّيكُمْ " بِالتَّشْدِيدِ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:


الصفحة التالية
Icon