قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ يَعْنِي: فِي الْقُرْآنِ بِالِاسْتِهْزَاءِ ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ فَاتْرُكْهُمْ [وَلَا تُجَالِسْهُمْ] (١) ﴿حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ، ﴿الشَّيْطَانُ﴾ نَهْيَنَا، ﴿فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ يَعْنِي: إِذَا جَلَسَتْ معهم ناسيا فقهم مِنْ عِنْدِهِمْ بَعْدَمَا تَذَكَّرْتَ.
﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَيْفَ نَقْعُدُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَنَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُمْ يَخُوضُونَ أَبَدًا؟ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: فَإِنَّا نَخَافُ الْإِثْمَ حِينَ نَتْرُكُهُمْ وَلَا نَنْهَاهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الْخَوْضَ، ﴿مِنْ حِسَابِهِمْ﴾ أَيْ: مِنْ آثَامِ الْخَائِضِينَ ﴿مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى﴾ أَيْ: ذَكِّرُوهُمْ وَعِظُوهُمْ بِالْقُرْآنِ، وَالذِّكْرُ وَالذِّكْرَى وَاحِدٌ، يُرِيدُ ذَكِّرُوهُمْ ذِكْرِي، فَتَكُونُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ الْخَوْضَ إِذَا وَعَظْتُمُوهُمْ فَرَخَّصَ فِي مُجَالَسَتِهِمْ عَلَى الْوَعْظِ لَعَلَّهُ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْخَوْضِ، وَقِيلَ: لَعَلَّهُمْ يَسْتَحْيُونَ.
﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠) قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِ الْعَالَمِينَ (٧١) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ إِذَا سَمِعُوا آيَاتِ اللَّهِ اسْتَهْزَءُوا بِهَا وَتَلَاعَبُوا عِنْدَ ذِكْرِهَا، وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا فَاتَّخَذَ كُلُّ قَوْمٍ دِينَهُمْ -أَيْ: عِيدَهُمْ -لَعِبًا وَلَهْوًا، وَعِيدُ الْمُسْلِمِينَ الصَّلَاةُ وَالتَّكْبِيرُ وَفِعْلُ الْخَيْرِ مِثْلُ الْجُمُعَةِ وَالْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ﴾ أَيْ: وَعِظْ بِالْقُرْآنِ، ﴿أَنْ تُبْسَلَ﴾ أَيْ: لِأَنْ لَا تُبْسَلَ، أَيْ: لَا