كَافِرًا، ﴿وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ﴾ اخْتَرْنَاهُمْ وَاصْطَفَيْنَاهُمْ، ﴿وَهَدَيْنَاهُمْ﴾ أَرْشَدْنَاهُمْ، ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ﴾ دِينُ اللَّهِ، ﴿يَهْدِي بِهِ﴾ يُرْشِدُ بِهِ، ﴿مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا﴾ أَيْ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ، ﴿لَحَبِطَ﴾ لَبَطَلَ وَذَهَبَ، ﴿عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ أَيِ: الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ عَلَيْهِمْ، ﴿وَالْحُكْمَ﴾ يَعْنِي: الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ، ﴿وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ﴾ الْكُفَّارُ يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ يَعْنِي: الْأَنْصَارَ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ، يَعْنِي: الْأَنْبِيَاءَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ هَاهُنَا، وَقَالَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: مَعْنَاهُ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا أَهْلُ الْأَرْضِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا أَهْلَ السَّمَاءِ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (٩٠) ﴾
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) ﴾
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ أَيْ: هَدَاهُمُ اللَّهُ، ﴿فَبِهُدَاهُمْ﴾ فَبِسُنَّتِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ، ﴿اقْتَدِهْ﴾ الْهَاءُ فِيهَا هَاءُ الْوَقْفِ، وَحَذَفَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الْهَاءَ فِي الْوَصْلِ، وَالْبَاقُونَ بِإِثْبَاتِهَا وَصْلًا وَوَقْفًا، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: " اقْتَدِهِ " بِإِشْبَاعِ الْهَاءِ كَسْرًا ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ﴾ مَا هُوَ، ﴿إِلَّا ذِكْرَى﴾ أَيْ: تَذْكِرَةٌ وَعِظَةٌ، ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَ قَدْرِهِ﴾ أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ، وَقِيلَ: مَا وَصَفُوهُ حَقَّ صِفَتِهِ، ﴿إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ يُخَاصِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَمَا تَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ" وَكَانَ حَبْرًا سَمِينًا فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ (١).

(١) أخرجه الطبري في التفسير: ١١ / ٥٢١-٥٢٢، والواحدي في أسباب النزول، ص (٢٥٣)، والبيهقي في الشعب عن كعب من قوله. ويروى عن مالك بن دينار قال: "قرأت في الحكمة: إن الله يبغض كل حبر سمين". وعزاه السيوطي لابن المنذر وابن أبي حاتم، واختصره ابن هشام في السيرة: ١ / ٥٤٧. قال في المقاصد الحسنة: "ما علمته في المرفوع، نعم روى أحمد في المسند: ٣ / ٤٧١، و٤ / ٣٣٩، والحاكم: ٤ / ١٢١-١٢٢ وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، والبيهقي بسند جيد عن جعدة الجشمي أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى رجل سمين، فأومأ إلى بطنه، وقال: لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك". وعزاه المنذري في الترغيب: ٣ / ١٣٨ لابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد جيد، والحاكم والبيهقي. وانظر أيضا: تمييز الطيب من الخبيث ص (٥٣)، كشف الخفاء: ١ / ٢٨٩-٢٩٠، مجمع الزوائد: ٥ / ٣١، الدر المنثور: ٣ / ٣١٤، سلسلة الضعيفة للألباني: ٣ / ٢٦٥-٢٦٧.


الصفحة التالية
Icon