يُرِيدُ مُبْدِئَ الصُّبْحِ وَمُوَضِّحَهُ] (١).
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: خَالِقُ النَّهَارِ، وَالْإِصْبَاحُ مَصْدَرٌ كَالْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ، وَهُوَ الْإِضَاءَةُ وَأَرَادَ بِهِ الصُّبْحَ. ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ يَسْكُنُ فِيهِ خَلْقُهُ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: " وَجَعَلَ " عَلَى الْمَاضِي، " اللَّيْلَ " نُصِبَ اتِّبَاعًا لِلْمُصْحَفِ، وَقَرَأَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ أَيْ: جَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِحِسَابٍ مَعْلُومٍ لَا يُجَاوِزَانِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَا إِلَى أَقْصَى مَنَازِلِهِمَا، وَالْحُسْبَانُ مَصْدَرٌ كَالْحِسَابِ، ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ﴾ أَيْ خَلَقَهَا لَكُمْ، ﴿لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾
وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ النُّجُومَ لِفَوَائِدٍ:
أَحَدُهَا هَذَا: وَهُوَ أَنَّ [رَاكِبَ الْبَحْرِ] (٢) وَالسَّائِرَ فِي الْقِفَارِ يَهْتَدِي بِهَا فِي اللَّيَالِي إِلَى مَقَاصِدِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا زِينَةٌ لِلسَّمَاءِ كَمَا قَالَ: "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ" (الْمُلْكِ، ٥).
وَمِنْهَا: رَمْيُ الشَّيَاطِينِ، كَمَا قَالَ: "وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ"، (الْمُلْكِ، ٥).
﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ﴾ خَلَقَكُمْ وَابْتَدَأَكُمْ، ﴿مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ يَعْنِي: آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ " فَمُسْتَقِرٌّ " بِكَسْرِ الْقَافِ، يَعْنِي: فَمِنْكُمْ مُسْتَقِرٌّ وَمِنْكُمْ مُسْتَوْدَعٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْقَافِ، أَيْ: فَلَكُمْ مُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَقَرِّ وَالْمُسْتَوْدَعِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَمُسْتَقَرٌّ فِي الرَّحِمِ إِلَى أَنْ يُولَدَ، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي الْقَبْرِ إِلَى أَنْ يُبْعَثَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: فَمُسْتَقَرٌّ فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ وَمُسْتَوْدَعٌ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ، وَهُوَ رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ تَزَوَّجْتَ قُلْتُ: لَا قَالَ: إِنَّهُ مَا كَانَ مِنْ مُسْتَوْدَعٍ فِي ظَهْرِكِ فَيَسْتَخْرِجُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَرُوِيَ عَنْ أُبَيٍّ أَنَّهُ قَالَ: مُسْتَقَرٌّ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ.
وَقِيلَ: مُسْتَقَرٌّ فِي الرَّحِمِ وَمُسْتَوْدَعٌ فَوْقَ الْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ" (الْحَجِّ، ٥).
(٢) في "ب": (الراكب في البحر).