قَالَ: "نَعَمْ، هُمْ شَرٌّ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ" (١).
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: إِنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ، وَذَلِكَ أَنِّي إِذَا تَعَوَّذْتُ بِاللَّهِ ذَهَبَ عَنِّي شَيْطَانُ الْجِنِّ، وَشَيْطَانُ الْإِنْسِ يَجِيئُنِي فَيَجُرُّنِي إِلَى الْمَعَاصِي عِيَانًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ أَيْ: يُلْقِي، ﴿زُخْرُفَ الْقَوْلِ﴾ وَهُوَ قَوْلٌ مُمَوَّهٌ مُزَيَّنٌ بِالْبَاطِلِ لَا مَعْنَى تَحْتَهُ، ﴿غُرُورًا﴾ يَعْنِي: لِهَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينِ يُزَيِّنُونَ الْأَعْمَالَ الْقَبِيحَةَ لِبَنِي آدَمَ، يَغُرُّونَهُمْ غُرُورًا، وَالْغُرُورُ: الْقَوْلُ الْبَاطِلُ، ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ أَيْ: مَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ [فِي الْقُلُوبِ] (٢) ﴿فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾
﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ أَيْ: تَمِيلُ إِلَيْهِ، وَالصَّغْوُ: الْمَيْلُ، يُقَالُ: صَغْوُ فُلَانٍ مَعَكَ، أَيْ: مَيْلُهُ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ: صَغَى يُصْغِي، صَغًا، وَصَغَى يَصْغَى، وَيَصْغُو صَغْوًا، وَالْهَاءُ فِي "إِلَيْهِ" رَاجِعَةٌ إِلَى زُخْرُفِ الْقَوْلِ: ﴿وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا﴾ لِيَكْتَسِبُوا، ﴿مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ يُقَالُ: اقْتَرَفَ فُلَانٌ مَالًا إِذَا اكْتَسَبَهُ، وَقَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) (الشُّورَى، ٢٣)، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ لِيَعْمَلُوا مِنَ الذُّنُوبِ مَا هُمْ عَامِلُونَ.
﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ﴾ فِيهِ إِضْمَارٌ أَيْ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَفَغَيْرَ اللَّهِ، ﴿أَبْتَغِي﴾ أَطْلُبُ ﴿حَكَمًا﴾ قَاضِيًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ حَكَمًا فَأَجَابَهُمْ بِهِ، ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾ مُبَيَّنًا فِيهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَقِيلَ: مُفَصَّلًا أَيْ خَمْسًا خَمْسًا وَعَشْرًا وَعَشْرًا، كَمَا قَالَ: (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) (الْفُرْقَانَ، ٣٢)، ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾

(١) أخرجه النسائي في الاستعاذة، باب الاستعاذة من شر شياطين الإنس: ٨ / ٢٧٥، دون قوله "هم شر من شياطين الجن"، والإمام أحمد في المسند: ١ / ٢٦٥.
(٢) ساقط من "ب".


الصفحة التالية
Icon