قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ أَرَادَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوَسْوِسُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِيُجَادِلُوكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا عَنِ الشَّاةِ إِذَا مَاتَتْ مَنْ قَتَلَهَا؟ فَقَالَ: اللَّهُ قَتَلَهَا، قَالُوا: أَفَتَزْعُمُ أَنَّ مَا قَتَلْتَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ حَلَالٌ، وَمَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ وَالصَّقْرُ حَلَالٌ، وَمَا قَتَلَهُ اللَّهُ حَرَامٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ، ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحَلَّ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ أَوْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ.
﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ قَرَأَ نَافِعٌ " مَيِّتًا " وَ (لَحْمَ أَخِيهِ مَيِّتًا) (الْحُجُرَاتِ، ١٢) وَ (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا) (سُورَةُ يس، ٣٣) بِالتَّشْدِيدِ فِيهِنَّ، وَالْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ ﴿فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ أَيْ: كَانَ ضَالًّا فَهَدَيْنَاهُ، كَانَ مَيِّتًا بِالْكُفْرِ فَأَحْيَيْنَاهُ بِالْإِيمَانِ، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا﴾ يَسْتَضِيءُ بِهِ، ﴿يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ عَلَى قَصْدِ السَّبِيلِ، قِيلَ: النُّورُ هُوَ الْإِسْلَامُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى "يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" (الْبَقَرَةِ، ٢٥٧)، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ كِتَابُ اللَّهِ بَيِّنَةٌ مِنَ اللَّهِ مَعَ الْمُؤْمِنِ، بِهَا يَعْمَلُ وَبِهَا يَأْخُذُ وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي، ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ الْمَثَلُ صِلَةٌ، أَيْ: كَمَنْ هُوَ فِي الظُّلُمَاتِ، ﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ يَعْنِي: مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ.
قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَنَا لَهُ نُورًا، يُرِيدُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَطْلَبِ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ يُرِيدُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَرْثٍ، فَأُخْبِرَ حَمْزَةُ بِمَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ وَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ قَنْصِهِ وَبِيَدِهِ قَوْسٌ، وَحَمْزَةُ لَمْ يُؤْمِنْ بَعْدُ، فَأَقْبَلَ غَضْبَانَ حَتَّى عَلَا أَبَا جَهْلٍ بِالْقَوْسِ وَهُوَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ: يَا أَبَا يَعْلَى أَمَا تَرَى مَا جَاءَ بِهِ؟ سَفَّهَ عُقُولَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا وَخَالَفَ آبَاءَنَا، فَقَالَ حَمْزَةُ: وَمَنْ أَسْفَهُ مِنْكُمْ؟ تَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (١).
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي جَهْلٍ (٢).
(٢) تفسير الطبري: ١٢ / ٨٩، أسباب النزول ص (٢٥٨)، الدر المنثور: ٣ / ٣٥٢.