قَالَ السُّدِّيُّ: لَا تُسْرِفُوا أَيْ لَا تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ فَتُقْعُدُوا فُقَرَاءَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: عَلَى هَذَا إِذَا أَعْطَى الْإِنْسَانُ كُلَّ مَالِهِ وَلَمْ يُوَصِّلْ إِلَى عِيَالِهِ شَيْئًا فَقَدْ أَسْرَفَ، لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ "ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" (١). وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: مَعْنَاهُ لَا تَمْنَعُوا الصَّدَقَةَ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا: لَا تَتَجَاوَزِ الْحَدَّ فِي الْبُخْلِ وَالْإِمْسَاكِ حَتَّى تَمْنَعُوا الْوَاجِبَ مِنَ الصَّدَقَةِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَا تُشْرِكُوا الْأَصْنَامَ فِي الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا تُنْفِقُوا فِي الْمَعْصِيَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْإِسْرَافُ مَا قَصَّرْتَ بِهِ عَنْ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ أَبُو قُبَيْسٍ ذَهَبَا لِرَجُلٍ فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مُسْرِفًا وَلَوْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا أَوْ مُدًّا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ مُسْرِفًا. وَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: مَا جَاوَزْتَ بِهِ أَمْرَ اللَّهِ فَهُوَ سَرَفٌ وَإِسْرَافٌ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ. قَالَ: الْخِطَابُ لِلسَّلَاطِينِ، يَقُولُ: لَا تَأْخُذُوا فَوْقَ حَقِّكُمْ.
﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ﴾
﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٤٣) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ﴾ أَيْ: وَأَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ، ﴿حَمُولَةً﴾ وَهِيَ كُلُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا مِنَ الْإِبِلِ، ﴿وَفَرْشًا﴾ وَهِيَ الصِّغَارُ مِنَ الْإِبِلِ الَّتِي لَا تَحْمِلُ. ﴿كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ لَا تَسْلُكُوا طَرِيقَهُ وَآثَارَهُ فِي تَحْرِيمِ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾
ثُمَّ بَيَّنَ الْحَمُولَةَ وَالْفَرْشَ فَقَالَ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ نَصْبُهَا عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْحَمُولَةِ وَالْفَرْشِ، أَيْ: وَأَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ أَصْنَافٍ، ﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ﴾ أَيِ: الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، [فَالذَّكَرُ زَوْجٌ وَالْأُنْثَى] (١) زَوْجٌ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْوَاحِدَ زَوْجًا إِذَا كَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الْآخَرِ، وَالضَّأْنُ النِّعَاجُ، وَهِيَ ذَوَاتُ الصُّوفِ مِنَ الْغَنَمِ، وَالْوَاحِدُ ضَائِنٌ وَالْأُنْثَى ضَائِنَةٌ، وَالْجَمْعُ ضَوَائِنُ، ﴿وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ "مِنَ الْمَعَزِ" بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا، وَالْمَعْزُ وَالْمَعْزَى جَمْعٌ لَا