وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ﴾ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَبِالرُّسُلِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، ﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ﴾ أَيْ: اتَّقَى الشِّرْكَ وَأَصْلَحَ عَمَلَهُ. وَقِيلَ: أَخْلَصَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ إِذَا خَافَ النَّاسُ، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أَيْ: إِذَا حَزِنُوا.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (٣٧) ﴾
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا﴾ تَكْبَّرُوا عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الِاسْتِكْبَارَ لِأَنَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ وَكَافِرٍ مُتَكَبِّرٌ. قَالَ الله تعالى "نهم كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ" (الصَّافَّاتِ، ٣٥)، ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ جَعَلَ لَهُ شَرِيكًا، ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ بِالْقُرْآنِ، ﴿أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ﴾ أَيْ: حَظُّهُمْ مِمَّا كَتَبَ لَهُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: مَا كَتَبَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَقَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ سَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ. قَالَ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُتِبَ لِمَنْ يَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ أَنَّ وَجْهَهُ مُسْوَدٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ" (الزُّمَرِ، ٦٠).
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ: مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عباس وقتادة ١٢٩/ب وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي أَعْمَالُهُمُ الَّتِي عَمِلُوهَا وَكَتَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ يَجْزِي عَلَيْهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: مَا كَتَبَ لَهُمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ وَالْأَعْمَالِ فَإِذَا فَنِيَتْ، ﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ يَقْبِضُونَ أَرْوَاحَهُمْ يَعْنِي مَلَكَ الْمَوْتِ وَأَعْوَانَهُ، ﴿قَالُوا﴾ يَعْنِي يَقُولُ الرُّسُلُ لِلْكَافِرِ، ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ﴾ تَعْبُدُونَ، ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ سُؤَالَ تَبْكِيتٍ وَتَقْرِيعٍ، ﴿قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا﴾ بَطَلُوا وَذَهَبُوا عَنَّا، ﴿وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ اعْتَرَفُوا عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْمَوْتِ، ﴿أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾