فَالْأَوَّلُ: مِثْلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي إِذَا سَمِعَ الْقُرْآنَ وَعَاهُ وَعَقَلَهُ وَانْتَفَعَ بِهِ، وَالثَّانِي: مِثْلُ الْكَافِرِ الَّذِي يَسْمَعُ الْقُرْآنَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، كَالْبَلَدِ الْخَبِيثِ الَّذِي لَا يُتَبَيَّنُ أَثَرُ الْمَطَرِ فِيهِ ﴿كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ﴾ نُبَيِّنُهَا، ﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تَنْبُتُ كَلَأً فَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمِثْلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ" (١).
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٠) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِ الْعَالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٢) ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ وَهُوَ نُوحُ بْنُ لَمْكَ بْنِ مَتُّوشَلَخَ بْنِ أَخَنُوخَ وَهُوَ إِدْرِيسُ، وَهُوَ أَوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ بَعْدَ إِدْرِيسَ، وَكَانَ نَجَّارًا بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَقِيلَ: بُعِثَ وَهُوَ ابْنُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً (٢). وَقَالَ مُقَاتِلٌ: ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِّي نُوحًا لِكَثْرَةِ مَا نَاحَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نَوْحِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِدَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ بِالْهَلَاكِ، وَقِيلَ: لِمُرَاجَعَتِهِ رَبَّهُ فِي شَأْنِ ابْنِهِ كَنْعَانَ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مَرَّ بِكَلْبٍ مَجْذُومٍ، فَقَالَ: اخْسَأْ يَا قَبِيحُ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: أَعِبْتَنِي أَمْ عِبْتَ الْكَلْبَ؟ ﴿فَقَالَ﴾ لِقَوْمِهِ، ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنَ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْكِسَائِيُّ ﴿مِنَ إِلَهٍ غَيْرِهِ﴾

(١) أخرجه البخاري في العلم، باب فضل من علِم وعلّم: ١ / ١٧٥، ومسلم في الفضائل، باب بيان ما بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الهدى والعلم، برقم (٢٢٨٢) : ٢ / ١٧٨٧. والمصنف في شرح السنة: ١ / ٢٨٧.
(٢) في "ب": (مائة وخمسين سنة).


الصفحة التالية
Icon