يَعْنِي فِي الْأَرْضِ، ﴿مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ أَيْ: مِنْ بَعْدِ إِهْلَاكِهِمْ، ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً﴾ أَيْ: طُولًا وَقُوَّةً. قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: كَانَتْ قَامَةُ الطَّوِيلِ مِنْهُمْ مِائَةَ ذِرَاعٍ، وَقَامَةُ الْقَصِيرِ مِنْهُمْ سِتُّونَ ذِرَاعًا. وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ: سَبْعُونَ ذِرَاعًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ثَمَانُونَ ذِرَاعًا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ طُولُ كُلِّ رَجُلٍ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا. وَقَالَ وَهْبٌ: كَانَ رَأْسُ أَحَدِهِمْ مِثْلَ الْقُبَّةِ الْعَظِيمَةِ وَكَانَ عَيْنُ الرَّجُلِ تُفْرِخُ فِيهَا الضِّبَاعُ، وَكَذَلِكَ مَنَاخِرُهُمْ. ﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ﴾ نِعَمَ اللَّهِ، وَاحِدُهَا إِلًى وَآلَاءُ مِثْلَ مِعًى وَأَمْعَاءٍ، وَقَفًا وَأَقْفَاءٍ، وَنَظِيرُهَا: (آنَاءَ اللَّيْلِ) (الزُّمَرُ-٩)، وَاحِدُهَا أَنَا وَآنَاءٌ، ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ مِنَ الْأَصْنَامِ، فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا، مِنَ الْعَذَابِ، ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾
﴿قَالَ﴾ هُودٌ، ﴿قَدْ وَقَعَ﴾ وَجَبَ وَنَزَلَ، ﴿عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ﴾ أَيْ عَذَابٌ، وَالسِّينُ مُبْدَلَةٌ مِنَ الزَّايِ، ﴿وَغَضَبٌ﴾ أَيْ: سَخَطٌ، ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا﴾ وَضَعْتُمُوهَا، ﴿أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَتْ لَهُمْ أَصْنَامٌ يَعْبُدُونَهَا سُمَّوْهَا أَسْمَاءَ مُخْتَلِفَةً، ﴿مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، ﴿فَانْتَظِرُوا﴾ نُزُولُ الْعَذَابِ، ﴿إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾
﴿فَأَنْجَيْنَاهُ﴾ يَعْنِي هُودًا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ أَيْ: اسْتَأْصَلْنَاهُمْ وَأَهْلَكْنَاهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، ﴿وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾
وَكَانَتْ قِصَّةُ عَادٍ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: (١) أَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا يَنْزِلُونَ الْيَمَنَ وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمْ بِالْأَحْقَافِ، وَهِيَ رِمَالٌ بَيْنَ عَمَّانَ وَحَضْرَمَوْتَ، وَكَانُوا قَدْ فَشَوْا فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا وَقَهَرُوا أَهْلَهَا بِفَضْلِ قُوَّتِهِمُ الَّتِي آتَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانُوا أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ صَدَى، وَصَنَمٌ يُقَالُ لَهُ صَمُودٌ، وَصَنَمٌ يُقَالُ لَهُ الْهَبَاءُ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ هُودًا نَبِيًّا، وَهُوَ مِنْ أَوْسَطِهِمْ نَسَبًا وَأَفْضَلِهِمْ حَسَبًا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ وَيَكُفُّوا عَنْ ظُلْمِ النَّاسِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَّبُوهُ فَقَالُوا مِنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً فَبَنَوُا الْمَصَانِعَ وَبَطَشُوا بَطْشَةَ الْجَبَّارِينَ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمَطَرَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى جَهَدَهُمْ ذَلِكَ.