عَفِيرٍ، وَكَانَ قَدْ آمَنَ بِهُودٍ سِرًّا: إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَا تُسْقَوْنَ بِدُعَائِكُمْ، وَلَكِنْ إِنْ أَطَعْتُمْ نَبِيَّكُمْ وَأَنَبْتُمْ إِلَى رَبِّكُمْ سُقِيتُمْ، فَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ:

عَصَتْ عَادٌ رَسُولَهُمْ فَأَمْسَوْا عِطَاشًا مَا تَبُلُّهُمُ السَّمَاءُ
لَهُمْ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ صُمُودٌ يُقَابِلُهُ صَدَاءٌ وَالْهَبَاءُ
فَبَصَّرَنَا الرَّسُولُ سَبِيلَ رُشْدٍ فَأَبْصَرْنَا الْهُدَى وَجَلَى الْعَمَاءُ
وَإِنَّ إِلَهَ هُودٍ هُو إِلَهِي عَلَى اللَّهِ التَّوَكُّلُ وَالرَّجَاءُ
فَقَالُوا لِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ: احْبِسْ عَنَّا مَرْثَدَ بْنَ سَعْدٍ فَلًّا يَقْدُمَنَّ مَعَنَا مَكَّةَ، فَإِنَّهُ قَدِ اتَّبَعَ دِينَ هُودٍ، وَتَرَكَ دِينَنَا، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ يَسْتَسْقُونَ لِعَادٍ، فَلَمَّا وَلَّوْا إِلَى مَكَّةَ خَرَجَ مَرْثَدُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ مَنْزِلِ مُعَاوِيَةَ حَتَّى أَدْرَكَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدْعُوَا اللَّهَ بِشَيْءٍ مِمَّا خَرَجُوا لَهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ قَامَ يَدْعُو اللَّهَ، وَبِهَا وَفْدُ عَادٍ يَدْعُونَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي سُؤْلِي وَحْدِي وَلَا تُدْخِلْنِي فِي شَيْءٍ مِمَّا يَدْعُوكَ بِهِ وَفْدُ عَادٍ، وَكَانَ قَيْلُ بْنُ عَنْزٍ رَأْسَ وَفْدِ عَادٍ، فَقَالَ وَفْدُ عَادٍ: اللَّهُمَّ أَعْطِ قَيْلًا مَا سَأَلَكَ وَاجْعَلْ سُؤْلَنَا مَعَ سُؤْلِهِ.
وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ وَفْدِ عَادٍ -حِينَ دَعَوْا -لُقْمَانُ بْنُ عَادٍ، وَكَانَ سَيِّدَ عَادٍ، حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ دَعْوَتِهِمْ قَامَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي جِئْتُكَ وَحْدِي فِي حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي، وَسَأَلَ اللَّهَ طُولَ الْعُمْرِ فَعُمِّرَ عُمَرَ سَبْعَةِ أَنَسُرٍ، وَقَالَ قَيْلُ بْنُ عَنْزٍ حِينَ دَعَا: يَا إِلَهَنَا إِنْ كَانَ هُودٌ صَادِقًا فَاسْقِنَا فَإِنَّا قَدْ هَلَكْنَا، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَائِبَ ثَلَاثًا بَيْضَاءَ وَحَمْرَاءَ وَسَوْدَاءَ، ثُمَّ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّحَايِبِ [يَا قَيْلُ] (١) اخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَقَوْمِكَ مِنْ هَذِهِ السَّحَائِبِ [مَا شِئْتَ] (٢) فقال قيل: ١٣٢/أاخْتَرْتُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ فَإِنَّهَا أَكْثَرُ السَّحَابِ مَاءً فَنَادَاهُ مُنَادٍ: اخْتَرْتَ رَمَادًا رِمْدِدًا لَا تُبْقِي مِنْ آلِ عَادٍ أَحَدًا، وَسَاقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ الَّتِي اخْتَارَهَا قَيْلٌ بِمَا فِيهَا مِنَ النِّقْمَةِ إِلَى عَادٍ حَتَّى خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ وَادٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ "الْمُغِيثُ" فَلَمَّا رَأَوْهَا اسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا: هَذَا عَارَضٌ مُمْطِرُنَا، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) (الْأَحْقَافُ-٢٤-٢٥) أَيْ: كُلَّ شَيْءٍ مَرَّتْ بِهِ.
وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَبْصَرَ مَا فِيهَا وَعَرَفَ أَنَّهَا رِيحٌ مُهْلِكَةٌ امْرَأَةٌ مِنْ عَادٍ يُقَالُ لَهَا مُهَدَّدٌ، فَلَمَّا تَبَيَّنَتْ مَا فِيهَا صَحَّتْ ثُمَّ صَعِقَتْ، فَلَمَّا أَفَاقَتْ قَالُوا لَهَا: مَاذَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ الرِّيحَ فِيهَا كَشُهُبِ النَّارِ أَمَامَهَا رِجَالٌ يَقُودُونَهَا، فَسَخَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا، فَلَمْ تَدَعْ مِنْ آلِ عَادٍ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ، وَاعْتَزَلَ هُودٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَظِيرَةٍ مَا يُصِيبُهُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا مَا تَلِينُ عَلَيْهِ الْجُلُودُ وَتَلَذُّ الْأَنْفُسُ، وَإِنَّهَا لَتَمُرُّ مِنْ عَادٍ بِالظَّعْنِ فَتَحْمِلُهُمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَتَدْمَغُهُمْ بِالْحِجَارَةِ،
(١) زيادة من "ب".
(٢) زيادة من "ب".


الصفحة التالية
Icon