بَنَاتِي شِئْتَ عَلَى أَنْ تَعْقِرَ النَّاقَةَ، وَكَانَ قِدَارٌ عَزِيزًا مَنِيعًا فِي قَوْمِهِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وَهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي عَقَرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) (الشَّمْسُ-١٢)، انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي قَوْمِهِ مِثْلَ أَبِي زَمْعَةَ (١).
رَجَعْنَا إِلَى الْقِصَّةِ، قَالُوا: فَانْطَلَقَ قِدَارُ بْنُ سَالِفٍ وَمُصَدَّعُ بْنُ مُهَرِّجٍ فَاسْتَغْوَيَا غُوَاةَ ثَمُودَ فَاتَّبَعَهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ فَكَانُوا تِسْعَةَ رَهْطٍ، فَانْطَلَقَ قِدَارٌ وَصَدْعٌ وَأَصْحَابُهُمَا فَرَصَدُوا النَّاقَةَ حِينَ صَدَرَتْ عَنِ الْمَاءِ، وَقَدْ كَمَنَ لَهَا قِدَارٌ فِي أَصْلِ صَخْرَةٍ عَلَى طَرِيقِهَا، وَكَمَنَ لَهَا مُصَدَّعٌ فِي طَرِيقٍ آخَرَ فَمَرَّتْ عَلَى مُصَدَّعٍ، فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ بِهِ فِي عَضَلَةِ سَاقِهَا، وَخَرَجَتْ بِنْتُ غَنْمٍ عُنَيْزَةُ، وَأَمَرَتِ ابْنَتَهَا، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأَسْفَرَتْ لِقِدَارٍ ثُمَّ ذَمَرَتْهُ (٢) فَشَدَّ عَلَى النَّاقَةِ بِالسَّيْفِ فَكَشَفَتْ عُرْقُوبَهَا فَخَرَّتْ وَرَغَتْ رُغَاةً وَاحِدَةً تُحَذِّرُ سَقْبَهَا (٣) ثُمَّ طَعَنَ فِي لُبَتِّهَا فَنَحَرَهَا، وَخَرَجَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ وَاقْتَسَمُوا لَحْمَهَا وَطَبَخُوهُ، فَلَمَّا رَأَى سَقْبُهَا ذَلِكَ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى جَبَلًا مُنِيفًا يُقَالُ لَهُ: صِنْوٌ، وَقِيلَ: اسْمُهُ قَارَّةٌ، وَأَتَى صَالِحٌ فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكِ النَّاقَةَ فَقَدْ عُقِرَتْ، فَأَقْبَلَ وَخَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّمَا عَقَرَهَا فُلَانٌ وَلَا ذَنْبَ لَنَا، فَقَالَ صَالِحٌ: انظروا هل تدكرون فَصِيلَهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُ فَعَسَى أَنْ يُرْفَعَ عَنْكُمُ الْعَذَابُ، فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ عَلَى الْجَبَلِ ذَهَبُوا لِيَأْخُذُوهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْجَبَلِ فَتَطَاوَلَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَا تَنَالُهُ الطَّيْرُ.
وَجَاءَ صَالِحٌ فَلَمَّا رَآهُ الْفَصِيلُ بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ رَغَا ثَلَاثًا، وَانْفَجَرَتِ الصَّخْرَةُ فَدَخَلَهَا. فَقَالَ صَالِحٌ لِكُلِّ رَغْوَةٍ أَجْلُ يَوْمٍ فَتَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: اتَّبَعَ السَّقْبَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنَ التِّسْعَةِ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ، وَفِيهِمْ مُصَدَّعُ بْنُ مُهَرِّجٍ وَأَخُوهُ ذَابُ بْنُ مُهَرِّجٍ، فَرَمَاهُ مُصَدَّعٌ بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ قَلْبَهُ، ثُمَّ جَرَّ بِرِجْلِهِ فَأَنْزَلَهُ، فَأَلْقَوْا لَحْمَهُ مَعَ لَحْمِ أُمِّهِ، وَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: انْتَهَكْتُمْ حُرْمَةَ اللَّهِ فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَنِقْمَتِهِ، قَالُوا وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا صَالِحُ؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأَيَّامَ فِيهِمْ: الْأَحَدُ أَوَّلٌ، وَالِاثْنَيْنِ أَهْوَنُ، وَالثُّلَاثَاءَ
(٢) الذمر: التحريض على القتال.
(٣) السقب: ولد الناقة ساعة يولد.