﴿قَالُوا أُوذِينَا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا آمَنَتِ السَّحَرَةُ اتَّبَعَ مُوسَى سِتِّمِائَةُ أَلْفٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا -يَعْنِي قَوْمَ مُوسَى -إِنَّا أُوذِينَا، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا﴾ بِالرِّسَالَةِ بِقَتْلِ الْأَبْنَاءِ، ﴿وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ بِإِعَادَةِ الْقَتْلِ عَلَيْنَا. وَقِيلَ: فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَسْتَسْخِرُهُمْ قَبْلَ مَجِيءِ مُوسَى إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى اسْتَسْخَرَهُمْ جَمِيعَ النَّهَارِ بِلَا أَجْرٍ. وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَضْرِبُونَ لَهُ اللَّبِنَ بِتِبْنِ فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى أَجْبَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ بِتِبْنٍ مِنْ عِنْدِهِمْ. ﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ﴾ فِرْعَوْنَ، ﴿وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ أَيْ: يُسْكِنَكُمْ أَرْضَ مِصْرَ مِنْ بَعْدِهِمْ، ﴿فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ فَحَقَّقَ اللَّهُ ذَلِكَ بِإِغْرَاقِ فِرْعَوْنَ وَاسْتِخْلَافِهِمْ فِي دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَعَبَدُوا الْعِجْلَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ﴾ أَيْ: بِالْجُدُوبِ وَالْقَحْطِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: مَسَّتْهُمُ السَّنَةُ، أَيْ: جَدْبُ السَّنَةِ وَشِدَّةُ السَّنَةِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالسِّنِينَ الْقَحْطَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ وَالْغَلَّاتِ بِالْآفَاتِ وَالْعَاهَاتِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَّا السِّنِينَ فَلِأَهْلِ الْبَوَادِي، وَأَمَّا نَقْصِ الثَّمَرَاتِ فَلِأَهْلِ الْأَمْصَارِ، ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ أَيْ: يَتَّعِظُونَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشدة ترقق القوب وَتُرَغِّبُهَا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (١٣٣) ﴾
﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ﴾ يَعْنِي: الْخِصْبَ وَالسَّعَةَ وَالْعَافِيَةِ، ﴿قَالُوا لَنَا هَذِهِ﴾ أَيْ: نَحْنُ أَهْلُهَا وَمُسْتَحِقُّوهَا عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي جَرَتْ لَنَا فِي سَعَةِ أَرْزَاقِنَا وَلَمْ يَرَوْهَا تَفَضُّلًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَشْكُرُوا عَلَيْهَا، ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ جَدْبٌ وَبَلَاءٌ وَرَأَوْا مَا يَكْرَهُونَ، ﴿يَطَّيَّرُوا﴾ يَتَشَاءَمُوا، ﴿بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ وَقَالُوا: مَا أَصَابَنَا بَلَاءٌ حَتَّى رَأَيْنَاهُمْ، فَهَذَا مِنْ شُؤْمِ مُوسَى وَقَوْمِهِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: كَانَ مُلْكُ فِرْعَوْنَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ، وَعَاشَ سِتَّمِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً لَا يَرَى مَكْرُوهًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ جُوعُ يَوْمٍ أَوْ حُمَّى لَيْلَةٍ، أَوْ وَجَعُ سَاعَةٍ، لَمَا ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ قَطُّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أَيْ: انْصِبَاؤُهُمْ مِنَ الْخِصْبِ وَالْجَدْبِ