وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ كُلُّهُ مِنَ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَائِرُهُمْ مَا قَضَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَدَّرَ لَهُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: شُؤْمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَمِنْ قِبَلِ اللَّهِ. أَيْ: إِنَّمَا جَاءَهُمُ الشُّؤْمُ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الشُّؤْمُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُمْ مِنَ اللَّهِ.
﴿وَقَالُوا﴾ يَعْنِي: الْقِبْطَ لِمُوسَى ﴿مَهْمَا تَأْتِنَا﴾ مَتَى مَا كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، ﴿تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ﴾ مِنْ عَلَامَةٍ، ﴿لِتَسْحَرَنَا بِهَا﴾ لِتَنْقِلَنَا عَمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ، ﴿فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ بِمُصَدِّقِينَ.
﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ قَالَ ابن عباس ١٣٥/ب وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ -دَخَلَ كَلَامُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ -: لَمَّا آمَنَتِ السَّحَرَةُ، وَرَجَعَ فِرْعَوْنُ مَغْلُوبًا، أَبَى هُوَ وَقَوْمُهُ إِلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّمَادِي فِي الشَّرِّ، فَتَابَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ وَأَخَذَهُمْ بِالسِّنِينَ وَنَقَصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ، فَلَمَّا عَالَجَ مِنْهُمْ بِالْآيَاتِ الْأَرْبَعِ: الْعَصَا، وَالْيَدِ، وَالسِّنِينَ، وَنَقْصِ الثِّمَارِ، فَأَبَوْا أَنْ يُؤْمِنُوا فَدَعَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ عَبْدَكَ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَبَغَى وَعَتَا وَإِنَّ قَوْمَهُ قَدْ نَقَضُوا عَهْدَكَ، رَبِّ فَخُذْهُمْ بِعُقُوبَةٍ تَجْعَلُهَا لَهُمْ نِقْمَةً وَلِقَوْمِي عِظَةً وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ آيَةً وَعِبْرَةً، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ، وَهُوَ الْمَاءُ، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ وَبُيُوتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبُيُوتُ الْقِبْطِ مُشْتَبِكَةٌ مُخْتَلِطَةٌ، فَامْتَلَأَتْ بُيُوتُ الْقِبْطِ حَتَّى قَامُوا فِي الْمَاءِ إِلَى تَرَاقِيهِمْ وَمَنْ جَلَسَ مِنْهُمْ غَرِقَ، وَلَمْ يَدْخُلْ بُيُوتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْمَاءِ قَطْرَةٌ، وَرَكَدَ الْمَاءُ عَلَى أَرْضِهِمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَحْرُثُوا وَلَا يَعْمَلُوا شَيْئًا، وَدَامَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: الطُّوفَانُ الْمَوْتُ. وَقَالَ وَهْبٌ: الطُّوفَانُ الطَّاعُونُ بِلُغَةِ الْيَمَنِ، وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: الطُّوفَانُ الْجُدَرِيُّ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ عُذِّبُوا بِهِ فَبَقِيَ فِي الْأَرْضِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الطُّوفَانُ الْمَاءُ طَغَى فَوْقَ حُرُوثِهِمْ.
وَرَوَى ابْنُ ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الطُّوفَانُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ طَافَ بِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ) (الْقَلَمُ-١٩).
قَالَ نُحَاةُ الْكُوفَةِ: الطُّوفَانُ مَصْدَرٌ لَا يُجْمَعُ، كَالرُّجْحَانِ وَالنُّقْصَانِ.
وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ: هُوَ جَمْعٌ، وَاحِدُهَا طُوفَانَةٌ، فَقَالَ لِمُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفُ عَنَّا الْمَطَرَ فَنُؤْمِنُ بِكَ وَنُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَعَا رَبَّهُ فَرَفَعَ عَنْهُمُ الطُّوفَانَ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ لَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ شيئا لم ينتبه لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَأِ وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَأَخْصَبَتْ بِلَادُهُمْ، فَقَالُوا: مَا كَانَ هَذَا الْمَاءُ إِلَّا