﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ﴾ أَيْ: عِصَابَةٌ، ﴿يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: "هَذِهِ لَكُمْ وَقَدْ أُعْطِي الْقَوْمُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِثْلَهَا، وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ" (١).
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحَمِيدِيُّ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ" (٢). وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ قَالَ عَطَاءٌ: سَنَمْكُرُ بِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. وَقِيلَ: نَأْتِيهِمْ مِنْ مَأْمَنِهِمْ، كَمَا قَالَ: "فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا" (الْحَشْرُ-٢)، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يُزَيِّنُ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَيُهْلِكُهُمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كُلَّمَا جَدَّدُوا مَعْصِيَةً جَدَّدْنَا لَهُمْ نِعْمَةً. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: نُسْبِغُ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ وَنُنْسِيهِمُ الشُّكْرَ. قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: الِاسْتِدْرَاجُ أَنْ يَتَدَرَّجَ إِلَى الشَّيْءِ فِي خُفْيَةٍ قَلِيلًا قَلِيلًا فَلَا يُبَاغِتُ وَلَا يُجَاهِرُ، وَمِنْهُ دَرَجَ الصَّبِيُّ إِذَا قَارَبَ بَيْنَ خُطَاهُ فِي الْمَشْيِ، وَمِنْهُ دَرَجَ الْكِتَابَ إِذَا طَوَاهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ.
﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أَيْ: أُمْهِلُهُمْ وَأُطِيلُ لَهُمْ مُدَّةَ عُمْرِهِمْ لِيَتَمَادَوْا فِي الْمَعَاصِي، ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أَيْ: إِنَّ أَخْذِي قَوِيٌّ شَدِيدٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ مَكْرِي شَدِيدٌ. قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ، فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ.

(١) تفسير الطبري: ١٣ / ٢٨٦.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب، باب رقم (٢٨) : ٦ / ٦٣٢، ومسلم في الإمارة، باب قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق... " برقم (١٠٣٧) : ٣ / ١٥٢٤، والمصنف في شرح السنة: ١٤ / ٢١٢.


الصفحة التالية
Icon