مِنْهُمْ يَنْهَى سِبْطَهُ عَنْ قِتَالِهِمْ وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا رَأَى: إِلَّا رَجُلَانِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا.
﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾ نَاصِرُكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلَامَ فَقَالَ: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾ يَا مَعْشَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ﴿وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ نَصَرْتُمُوهُمْ، وَقِيلَ: وَوَقَّرْتُمُوهُمْ وَعَظَّمْتُمُوهُمْ؛ ﴿وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ قِيلَ: هُوَ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ: هُوَ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ، ﴿لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ لَأَمْحُوَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، ﴿وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ أَيْ: أَخْطَأَ قَصْدَ السَّبِيلِ، يُرِيدُ طَرِيقَ [الْحَقِّ] (١) وَسَوَاءُ كُلِّ شَيْءٍ: وَسْطُهُ.
﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) ﴾

(١) في "ب": (الجنة).

﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١٤) ﴾
﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ﴾ أَيْ: فَبِنَقْضِهِمْ، وَ"مَا" صِلَةٌ، ﴿مِيثَاقَهُمْ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: نَقَضُوهُ مِنْ وُجُوهٍ لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَ مُوسَى وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَ اللَّهِ وَنَبَذُوا كِتَابَهُ وَضَيَّعُوا فَرَائِضَهُ ﴿لَعَنَّاهُمْ﴾ قَالَ [عَطَاءٌ] (١) أَبْعَدْنَاهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا، قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: عَذَّبْنَاهُمْ بِالْمَسْخِ، ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ قَسِيَّةً بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ الذَّاكِيَةِ وَالذَّكِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَاسِيَةٌ أَيْ يَابِسَةٌ، وَقِيلَ: غَلِيظَةٌ لَا تَلِينُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِنَّ قُلُوبَهُمْ لَيْسَتْ بِخَالِصَةٍ لِلْإِيمَانِ بَلْ إِيمَانُهُمْ مَشُوبٌ بِالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَمِنْهُ الدَّرَاهِمُ الْقَاسِيَةُ وَهِيَ الرَّدِيَّةُ الْمَغْشُوشَةُ.
﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ قِيلَ: هُوَ تَبْدِيلُهُمْ نَعْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: تَحْرِيفُهُمْ بِسُوءِ التَّأْوِيلِ، ﴿وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ أَيْ: وَتَرَكُوا نَصِيبَ أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانِ نَعْتِهِ، ﴿وَلَا تَزَالُ﴾ [يَا مُحَمَّدُ] (٢) ﴿تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾ أَيْ: عَلَى خِيَانَةٍ، فَاعِلَةٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَالْكَاذِبَةِ وَاللَّاغِيَةِ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلُ [رَوَّايَةٍ] (٣) وَنَسَّابَةٍ وَعَلَّامَةٍ وَحَسَّابَةٍ، وَقِيلَ: عَلَى فِرْقَةٍ خَائِنَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَلَى خَائِنَةٍ أَيْ: عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَكَانَتْ خِيَانَتُهُمْ نَقْضَهُمُ الْعَهْدِ وَمُظَاهَرَتَهُمُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَمِّهِمْ بِقَتْلِهِ وَسَمِّهِ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ خِيَانَاتِهِمُ الَّتِي ظَهَرَتْ، ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ لَمْ يَخُونُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ﴾ أَيْ: أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَلَا تَتَعَرَّضْ لَهُمْ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
(١) في "ب": (قتادة).
(٢) ساقط من "ب".
(٣) في "ب": (راوية).


الصفحة التالية
Icon