وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: "قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا" يَعْنِي: الْهُدَى وَالضَّلَالَةَ، (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أَيْ: مَتَى أَمُوتُ، لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ، يَعْنِي: مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ.
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَاجْتَنَبْتُ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّرِّ وَاتَّقَيْتُهُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ أَيْ مَتَى السَّاعَةُ لَأَخْبَرَتْكُمْ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ بِتَكْذِيبِكُمْ. وَقِيلَ: مَا مَسَّنِيَ السُّوءُ: ابْتِدَاءً، يُرِيدُ: وَمَا مَسَّنِيَ الْجُنُونُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَى الْجُنُونِ. ﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ﴾ لِمَنْ لَا يُصَدِّقُ بِمَا جِئْتُ بِهِ، ﴿وَبَشِيرٌ﴾ بِالْجَنَّةِ، ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يُصَدِّقُونَ.
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ يَعْنِي: آدَمَ، ﴿وَجَعَلَ﴾ وَخَلَقَ ﴿مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ يَعْنِي: حَوَّاءَ، ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ لِيَأْنَسَ بِهَا ويأوي إليها ١٤٢/أ ﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا﴾ أَيْ: وَاقَعَهَا وَجَامَعَهَا ﴿حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا﴾ وَهُوَ أَوَّلُ مَا تَحْمِلُ الْمَرْأَةُ مِنَ النُّطْفَةِ يَكُونُ خَفِيفًا عَلَيْهَا، ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ أَيْ: اسْتَمَرَّتْ بِهِ وَقَامَتْ وَقَعَدَتْ بِهِ، لَمْ يُثْقِلْهَا، ﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ﴾ أَيْ: كَبِرَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَصَارَتْ ذَاتَ ثِقَلٍ بِحَمْلِهَا وَدَنَتْ وِلَادَتُهَا، ﴿دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا﴾ يَعْنِي آدَمَ وَحَوَّاءَ، ﴿لَئِنْ آتَيْتَنَا﴾ يَا رَبَّنَا ﴿صَالِحًا﴾ أَيْ: بَشَرًا سَوِيًّا مِثْلَنَا، ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: فَلَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ أَتَاهَا إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، فَقَالَ لَهَا: مَا الَّذِي فِي بَطْنِكِ؟ قَالَتْ: مَا أَدْرِي. قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أن يكون بهمية، أَوْ كَلْبًا، أَوْ خِنْزِيرًا، وَمَا يُدْرِيكِ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ؟ مِنْ دُبُرِكِ فَيَقْتُلُكِ، أَوْ مِنْ [قُبُلِكِ] (١) وَيَنْشَقُّ بَطْنُكِ، فَخَافَتْ حَوَّاءُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يَزَالَا فِي هَمٍّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا فَقَالَ: إِنِّي مِنَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةٍ، فَإِنْ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ خَلْقًا سَوِيًّا مِثْلَكِ وَيُسَهِّلَ عَلَيْكِ خُرُوجَهُ تُسَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ؟ -وَكَانَ اسْمُ إِبْلِيسَ فِي الْمَلَائِكَةِ الْحَارِثَ -فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِآدَمَ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ صَاحِبُنَا الَّذِي قَدْ عَلِمْتِ، فَعَاوَدَهَا إِبْلِيسُ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمَا حَتَّى غَرَّهُمَا، فَلَمَّا وَلَدَتْ سَمَّيَاهُ

(١) في "ب": (فيك).


الصفحة التالية
Icon