عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ سَعِيدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ وَالْغَنِيمَةَ دُونَ ذَلِكَ، فَإِنْ تُعْطَ هَؤُلَاءِ [الَّذِينَ] (١) ذَكَرْتَ لَا يَبْقَى لِأَصْحَابِكَ كَبِيرُ شَيْءٍ، فَنَزَلَتْ: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ" (٢).
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فِي الْعَسْكَرِ فَجُمِعَ فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، فَقَالَ مَنْ جَمَعَهُ: هُوَ لَنَا، قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ كُلَّ امْرِئٍ مَا أَصَابَ، وَقَالَ الَّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ: لَوْلَا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ، وَقَالَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَقْتُلَ الْعَدُوَّ وَأَنْ نَأْخُذَ الْمَتَاعَ وَلَكِنَّا خِفْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَّةَ الْعَدُوِّ، وَقُمْنَا دُونَهُ فَمَا أَنْتُمْ بِأَحَقَّ بِهِ مِنَّا (٣).
وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الْأَنْفَالِ، قَالَ: فِينَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ بَدْرٍ نَزَلَتْ، حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا، فَجَعَلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا عَنْ بَوَاءٍ -يَقُولُ عَلَى السَّوَاءِ -وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ (٤).
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قُتِلَ أَخِي عُمَيْرٌ، وَقَتَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَخَذْتُ سَيْفَهُ، وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْكَثِيفَةِ، فَأَعْجَبَنِي فَجِئْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ شَفَى صَدْرِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَهَبْ لِي هَذَا السَّيْفِ. فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا لِي وَلَا لَكَ، اذْهَبْ فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبَضِ، فَطَرَحْتُهُ وَرَجَعْتُ، وَبِي مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَتْلِ أَخِي وَأَخْذِ سِلَاحِي، وَقُلْتُ: عَسَى أَنْ يُعْطَى هَذَا السَّيْفَ مَنْ لَمْ يُبْلِ بَلَائِي فَمَا جَاوَزْتُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَنِي الرَّسُولُ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ"، الْآيَةَ. فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا سَعْدُ إِنَّكَ سَأَلْتَنِي السَّيْفَ وَلَيْسَ لِي، وَإِنَّهُ قَدْ صَارَ لِي الْآنَ فَاذْهَبْ فَخُذْهُ فَهُوَ لَكَ" (٥).
(٢) جاء هذا السبب في نزول الآية، في جملة أحاديث جمع بينها المصنف، رحمه الله، وهي عند الطبري من طرق، بسند صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: تفسير الطبري: ١٣ / ٣٦٧-٣٦٩، المستدرك: ٢ / ٣٢٦-٣٢٧، السنن الكبرى للبيهقي: ٦ / ٣١٥. وانظر: الدر المنثور: ٤ / ٦، تفسير ابن كثير: ٢ / ٢٨٣-٢٨٤.
(٣) سيرة ابن هشام: ١ / ٦٤١-٦٤٢ (طبع الحلبي).
(٤) انظر: تفسير الطبري: ١٣ / ٣٧٠-٣٧١، والمستدرك: ٢ / ٣٢٦، والبيهقي: ٦ / ٢٩٢، المسند للإمام أحمد: ٥ / ٣٢٢، سيرة ابن هشام: ١ / ٦٤٢. وقال الهيثمي بعدما عزاه للإمام أحمد: "ورجال الطريقين ثقات". وانظر تعليق الشيخ محمود شاكر على تفسير الطبري في الموضع السابق، وابن كثير: ٢ / ٢٨٤.
(٥) الطبري: ١٣ / ٣٧٣ من طرق عدة، وأخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، وأبو عبيد في الأموال، وصححه الحاكم: ٢ / ١٣٢ ووافقه الذهبي. انظر: تعليق محمود شاكر على الطبري. والقَبَضُ،: - بالتحريك - بمعنى المقبوض، وهو ما جمع من الغنيمة قبل أن تُقْسم.