وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، كَانَ يُطْعِمُ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ جُزُرٍ (١).
وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ أَنْفَقَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً (٢).
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ يُرِيدُ: مَا أَنْفَقُوا فِي الدُّنْيَا يَصِيرُ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ، ﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ وَلَا يَظْفَرُونَ، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مِنْهُمْ، ﴿إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ خُصَّ الْكُفَّارُ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَسَلَمَ.
﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٣٧) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) ﴾
﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ﴾ [فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ] (٣) ﴿مِنَ الطَّيِّبِ﴾ يَعْنِي: الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ فَيُنْزِلُ الْمُؤْمِنَ الْجِنَانَ وَالْكَافِرَ النِّيرَانَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْعَمَلُ الْخَبِيثُ مِنَ الْعَمَلِ الصالح الطيب، فيثب عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْجَنَّةَ، وَعَلَى الْأَعْمَالِ الْخَبِيثَةِ النَّارَ.
وَقِيلَ: يَعْنِي: الْإِنْفَاقَ الْخَبِيثَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ مِنَ الْإِنْفَاقِ الطَّيِّبِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ﴾ أَيْ: فَوْقَ بَعْضٍ، ﴿فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا﴾ أَيْ: يَجْمَعَهُ وَمِنْهُ السَّحَابُ الْمَرْكُومُ، وَهُوَ الْمُجْتَمِعُ الْكَثِيفُ، فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ رَدَّهُ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾... ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ الَّذِينَ خَسِرَتْ تِجَارَتُهُمْ، لِأَنَّهُمُ اشْتَرَوْا بِأَمْوَالِهِمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ.
﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا﴾ عَنِ الشِّرْكِ ﴿يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ أَيْ: مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، ﴿وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ فِي نَصْرِ اللَّهِ أَنْبِيَاءَهُ وَإِهْلَاكِ أَعْدَائِهِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ: تَوْحِيدٌ لَمْ يَعْجَزْ عَنْ هَدْمِ مَا قَبْلَهُ مِنْ كَفْرٍ، أَرْجُو أَنْ لَا يَعْجَزُ عَنْ هَدْمِ مَا بَعْدَهُ مِنْ ذَنْبٍ.
(٢) انظر: الطبري: ١٣ / ٥٣١، أسباب النزول ص (٢٧٢)، الدر المنثور: ٤ / ٦٣.
(٣) ما بين القوسين ساقط من"ب".