وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَعَلِقَتْ إِحْدَى رِجْلَيْ قابيل إلى فخدها وَسَاقِهَا وَعَلِقَتْ مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ إِلَى الشَّمْسِ مَا دَارَتْ عَلَيْهِ، فِي الصَّيْفِ حَظِيرَةٌ مِنْ نَارٍ وَفِي الشِّتَاءِ حَظِيرَةٌ مِنْ ثَلْجٍ.
قَالَ: وَاتَّخَذَ أَوْلَادُ قَابِيلَ آلَاتِ اللَّهْوِ مِنَ الْيَرَاعِ وَالطُّبُولِ وَالْمَزَامِيرِ وَالْعِيدَانِ وَالطَّنَابِيرِ، وَانْهَمَكُوا فِي اللَّهْوِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَعِبَادَةِ النَّارِ وَالزِّنَا وَالْفَوَاحِشِ حَتَّى غَرَّقَهُمُ اللَّهُ بِالطُّوفَانِ أَيَّامَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَقِيَ نَسْلُ شِيثَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لَأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ" (١).

(١) أخرجه البخاري في الأنبياء، باب خلق آدم، صلوات الله عليه، وذريته: ٦ / ٣٦٤، وفي الديات، وفي الاعتصام. وأخرجه مسلم في القسامة، باب بيان من سنّ القتل، برقم (١٦٧٧) ٣ / ١٣٠٣-١٣٠٤، والمصنف في شرح السنة: ١ / ٢٣٤.

﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنِ اجْلِ ذَلِكَ بِكَسْرِ النُّونِ مَوْصُولًا وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِجَزْمِ النُّونِ، أَيْ: مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ الْقَاتِلِ وَجِنَايَتِهِ، يُقَالُ: أَجَلَ يَأْجَلُ أَجَلًا إِذَا جَنَى، مِثْلُ أَخَذَ يَأْخُذُ أَخْذًا، ﴿كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ قَتَلَهَا فَيُقَادُ مِنْهُ، ﴿أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ﴾ يُرِيدُ بِغَيْرِ نَفْسٍ وَبِغَيْرِ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُفْرٍ أَوْ زِنًا أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَامًا عَدْلًا فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ شَدَّ عَضُدَ نَبِيٍّ أَوْ إِمَامٍ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.
قَالَ مُجَاهِدٌ: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً يَصْلَى النَّارَ بِقَتْلِهَا، كَمَا يَصْلَاهَا لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا "وَمَنْ أَحْيَاهَا" مَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِ النَّاسِ جَمِيعًا.


الصفحة التالية
Icon