تَعَالَى: ﴿يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ "سُورَةُ الْمَائِدَةِ، ٤٤".
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ". (١).
وَالسُّحْتُ كُلُّ كَسْبٍ لَا يَحِلُّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا﴾ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ الْيَوْمَ هَلْ لِلْحَاكِمِ الْخِيَارُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا؟ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ مَنْسُوخٌ، وَحُكَّامُ الْمُسْلِمِينَ بِالْخِيَارِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِنْ شَاءُوا حَكَمُوا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَحْكُمُوا، وَإِنْ حَكَمُوا حَكَمُوا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ قَوْمٌ: يَجِبُ عَلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ" (سُورَةُ الْمَائِدَةِ، ٤٩)، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (٢) وَقَالَ: لَمْ يُنْسَخْ مِنَ الْمَائِدَةِ إِلَّا آيَتَانِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: "لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ" نَسَخَهَا قوله تعالى: "اقتلوا الْمُشْرِكِينَ" وَقَوْلُهُ: "فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ" نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ" فَأَمَّا إِذَا تَحَاكَمَ إِلَيْنَا مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ أَيْ: بِالْعَدْلِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ أَيِ: الْعَادِلِينَ، رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ" (٣).
(٢) انظر: الطبري: ٦ / ٧٤٤-٧٤٧، الناسخ والمنسوخ لأبي القاسم هبة الله بن سلامة، ص (٤١-٤٢)، أحكام القرآن للجصاص: ٤ / ٨٧-٨٩.
(٣) أخرجه مسلم في الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، برقم (١٨٢٧) : ٣ / ١٤٥٨، والمصنف في شرح السنة: ١٠ / ٦٣-٦٤.