وَمِنَ الْكُفَّارِ] (١) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ، أَيْ: لَا تتخذوا الكفار، و ﴿أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَادَى إِلَى الصَّلَاةِ وَقَامَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا، قَالَتِ الْيَهُودُ: قَدْ قَامُوا لَا قَامُوا، وَصَلَّوْا لَا صَلَّوْا، عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ، وَضَحِكُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ (٢).
وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ النَّصَارَى بِالْمَدِينَةِ كَانَ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: حُرِقَ الْكَاذِبُ، فَدَخَلَ خَادِمُهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِنَارٍ [وَهُوَ وَأَهْلُهُ نِيَامٌ] (٣) فَتَطَايَرَتْ مِنْهَا شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَ الْبَيْتُ وَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهْلُهُ (٤).
وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمِعُوا الْأَذَانَ حَسَدُوا الْمُسْلِمِينَ فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لِقَدْ أَبْدَعْتَ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْ بِهِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْأُمَمِ فَإِنْ كُنْتَ تَدَّعِي النُّبُوَّةَ فَقَدْ خَالَفْتَ -فِيمَا أَحْدَثْتَ -الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَكَ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ لَكَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ صِيَاحٌ كَصِيَاحِ [الْعَنْزِ] (٥) ؟ فَمَا أَقْبَحَ مِنْ صَوْتٍ وَمَا أَسْمَجَ مِنْ أَمْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَنَزَّلَ "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ"، الْآيَةَ (٦).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا﴾ الْآيَةَ. قَرَأَ الْكِسَائِيُّ: "هَلْ تَنْقِمُونَ"، بِإِدْغَامِ اللَّامِ فِي التَّاءِ، وَكَذَلِكَ يُدْغِمُ لَامَ هَلْ فِي التَّاءِ وَالثَّاءِ وَالنُّونِ، وَوَافَقَهُ حَمْزَةُ فِي التَّاءِ وَالثَّاءِ وَأَبُو عَمْرٍو فِي "هَلْ تَرَى" فِي مَوْضِعَيْنِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ، أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ وَغَيْرُهُمَا، فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنَ الرُّسُلِ، فَقَالَ: أُومِنُ "بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ" إِلَى قَوْلِهِ: "وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"، فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَهْلَ دِينٍ أَقَلَّ حَظًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْكُمْ، وَلَا دِينًا شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (٧) "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا"

(١) ساقط من "ب".
(٢) انظر: أسباب النزول للواحدي، ص (٢٣١)، الدر المنثور: ٣ / ١٠٧.
(٣) في "ب" جاءت العبارة هكذا: (وهو نائم، هو وأهله).
(٤) انظر: الطبري: ٦ / ٢٩١، الدر المنثور: ٣ / ١٠٧-١٠٨، أسباب النزول، ص (٢٣١) البحر المحيط: ٣ / ٥١٥.
(٥) في أسباب النزول "العير".
(٦) انظر: أسباب النزول للواحدي ص (٢٣١-٢٣٢)، البحر المحيط: ٣ / ٥١٥.
(٧) انظر: سيرة ابن هشام: ١ / ٥٦٧، الطبري: ٦ / ٢٩٢، الدر المنثور: ٣ / ١٠٨، أسباب النزول ص (٢٣٢).


الصفحة التالية
Icon