بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ، ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ أَيِ: الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَةُ، يُرِيدُ ذَوَاتَ الْقَلَائِدِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أَرَادَ أَصْحَابَ الْقَلَائِدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنَ الْحَرَمِ قَلَّدُوا أَنْفُسَهُمْ وَإِبِلَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ كَيْلَا يُتَعَرَّضَ لَهُمْ، فَنَهَى الشَّرْعُ عَنِ اسْتِحْلَالِ شَيْءٍ مِنْهَا. وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ: هِيَ الْقَلَائِدُ نَفْسُهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ مَكَّةَ وَيَتَقَلَّدُونَهَا فَنُهُوا عَنْ نَزْعِ شَجَرِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ أَيْ: قَاصِدِينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، يَعْنِي: الْكَعْبَةَ فَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُمْ، ﴿يَبْتَغُونَ﴾ يَطْلُبُونَ ﴿فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ﴾ يَعْنِي الرِّزْقَ بِالتِّجَارَةِ، ﴿وَرِضْوَانًا﴾ أَيْ: عَلَى زَعْمِهِمْ؛ لِأَنَّ الْكَافِرِينَ لا نصيب له فِي الرِّضْوَانِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَنْ يُصْلِحَ مَعَاشَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ فِيهَا، وَقِيلَ: ابْتِغَاءُ الْفَضْلِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَامَّةً، وَابْتِغَاءُ الرِّضْوَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ إِلَى هَاهُنَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" (سُورَةُ التَّوْبَةِ، ٥) وَبِقَوْلِهِ: "فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا" (سُورَةُ التَّوْبَةِ، ٢٨)، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ مُشْرِكٌ وَلَا أَنْ يَأُمَّنَ كَافِرٌ بِالْهَدْيِ وَالْقَلَائِدِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ﴾ مِنْ إِحْرَامِكُمْ، ﴿فَاصْطَادُوا﴾ أَمْرُ إِبَاحَةٍ، أَبَاحَ لِلْحَلَالِ أَخْذَ الصَّيْدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ" (الْجُمُعَةِ، ١٠).
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ، يُقَالُ: جَرَمَنِي فُلَانٌ عَلَى أَنْ صَنَعْتُ كَذَا، أَيْ حَمَلَنِي، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَكْسِبَنَّكُمْ، يُقَالُ: جَرَمَ أَيْ: كَسَبَ، وَفُلَانٌ جَرِيمَةُ أَهْلِهِ، أَيْ: كَاسِبُهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَدْعُوَنَّكُمْ، ﴿شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ أَيْ: بُغْضُهُمْ وَعَدَاوَتُهُمْ، وَهُوَ مَصْدَرُ شَنَئْتَ، قرأ ابن ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ ﴿شَنْآنُ قَوْمٍ﴾ بِسُكُونِ النُّونِ الْأُولَى، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ، لِأَنَّ الْمَصَادِرَ أَكْثَرُهَا فَعَلَانِ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِثْلُ الضَّرَبَانِ وَالسَّيَلَانِ وَالنَّسَلَانِ وَنَحْوِهَا، ﴿أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، أَيْ: لِأَنْ صَدُّوكُمْ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَةُ قَوْمٍ عَلَى الِاعْتِدَاءِ لِأَنَّهُمْ صَدُّوكُمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ الصَّدُّ قَدْ تَقَدَّمَ، ﴿أَنْ تَعْتَدُوا﴾ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، ﴿وَتَعَاوَنُوا﴾ أَيْ: لِيُعِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، ﴿عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ قِيلَ: الْبِرُّ مُتَابَعَةُ الْأَمْرِ، وَالتَّقْوَى مُجَانَبَةُ النَّهْيِ، وَقِيلَ: الْبِرُّ: الْإِسْلَامُ، وَالتَّقْوَى: السُّنَّةُ، ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ قِيلَ: الْإِثْمُ: الْكُفْرُ، وَالْعُدْوَانُ: الظُّلْمُ، وَقِيلَ: الْإِثْمُ: الْمَعْصِيَةُ، والعدوان: البدعة.