أَيْدِيهِمْ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: " قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا " (مَرْيَمَ -٢٤) لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ تَحْتَهَا وَهِيَ قَاعِدَةٌ عَلَيْهِ، بَلْ أَرَادَ بَيْنَ يَدَيْهَا.
وَقِيلَ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ أَيْ: بِأَمْرِهِمْ، ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾.
﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) ﴾.
﴿دَعْوَاهُمْ﴾ أَيْ: قَوْلُهُمْ وَكَلَامُهُمْ. وَقِيلَ: دُعَاؤُهُمْ. ﴿فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ وَهِيَ كَلِمَةُ تَنْزِيهٍ، تُنَزِّهُ اللَّهَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ. وَرَوَيْنَا: "أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ وَالتَّسْبِيحَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ" (١).
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَامَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْخَدَمِ فِي الطَّعَامِ، فَإِذَا أَرَادُوا الطَّعَامَ قَالُوا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، فَأَتَوْهُمْ فِي الْوَقْتِ بِمَا يَشْتَهُونَ عَلَى الْمَوَائِدِ، كُلُّ مَائِدَةٍ مِيلٌ فِي مِيلٍ، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ صَحْفَةٍ، وَفِي كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ مِنَ الطَّعَامِ لَا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ حَمِدُوا اللَّهَ، فَذَلِكَ، قوله تعالى: ١٦٨/ب ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ أَيْ: يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلَامِ. وَقِيلَ: تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ بِالسَّلَامِ.
وَقِيلَ: تَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ بِالسَّلَامِ.
﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يُرِيدُ: يَفْتَتِحُونَ كَلَامَهُمْ بِالتَّسْبِيحِ، وَيَخْتِمُونَهُ بِالتَّحْمِيدِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ عِنْدَ الْغَضَبِ لِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ: لَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَلَا بَارَكَ فِيكُمْ. قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ. مَعْنَاهُ: لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ النَّاسَ إِجَابَةَ دُعَائِهِمْ فِي الشَّرِّ وَالْمَكْرُوهِ اسْتِعْجَالَهُمْ

(١) عن جابر قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن أهل الجنة يأكلون فيا ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوَّطون ولا يمتخطون" قالوا: فما بال الطعام؟ قال: جشاء ورشح كرشح المسك. يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس". رواه مسلم، في الجنة وصفة نعيمها، باب في صفات الجنة وأهلها.. (٣٨٣٥) : ٤ / ٢١٨٠-٢١٨١.
(٢) ساق السيوطي عدة روايات في ذلك. الدر المنثور: ٤ / ٣٤٥-٣٤٦.


الصفحة التالية
Icon