أَيْ: بِالْمَطَرِ، ﴿نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَبَتَ بِالْمَاءِ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، ﴿مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ﴾ مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، ﴿وَالْأَنْعَامِ﴾ مِنَ الْحَشِيشِ، ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا﴾ حُسْنَهَا وَبَهْجَتَهَا، وَظَهَرَ الزَّهْرُ أَخْضَرَ وَأَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَأَبْيَضَ ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ أَيْ: تَزَيَّنَتْ، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "تَزَيَّنَتْ". ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ عَلَى جِذَاذِهَا وَقِطَافِهَا وَحَصَادِهَا، رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْأَرْضِ. وَالْمُرَادُ: النَّبَاتُ إِذْ كَانَ مَفْهُومًا، وَقِيلَ: رَدَّهَا إِلَى الْغَلَّةِ. وَقِيلَ: إِلَى الزِّينَةِ. ﴿أَتَاهَا أَمْرُنَا﴾ قَضَاؤُنَا، بِإِهْلَاكِهَا، ﴿لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا﴾ أَيْ: مَحْصُودَةً مَقْطُوعَةً، ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بِالْأَمْسِ، وَأَصْلُهُ مِنْ غَنِيَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُتَشَبِّثَ بِالدُّنْيَا يَأْتِيهِ أَمْرُ اللَّهِ وَعَذَابُهُ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ. ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥) ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: السَّلَامُ هُوَ اللَّهُ، وَدَارُهُ: الْجَنَّةُ. وَقِيلَ: السَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ، سُمِّيَتِ الْجَنَّةُ دَارَ السَّلَامِ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَهَا سَلِمَ مِنَ الْآفَاتِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسَّلَامِ التَّحِيَّةُ سُمِّيَتِ الْجَنَّةُ دَارَ السَّلَامِ، لِأَنَّ أَهْلَهَا يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلَامِ وَالْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ " (الرَّعْدِ -٢٣).
وَرَوَيْنَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ [فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا:] (١) إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا. قَالَ: فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ: دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ: لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، [فَقَالُوا أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا:] (٢) فَالدَّارُ الْجَنَّةُ وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَ النَّاسِ" (٣).
﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الْإِسْلَامُ، عَمَّ بِالدَّعْوَةِ لِإِظْهَارِ الْحُجَّةِ، وَخَصَّ بِالْهِدَايَةِ اسْتِغْنَاءً عَنِ الْخَلْقِ.
(٢) ما بين القوسين من صحيح البخاري وشرح السنة للمصنف، وهو أيضا في المطبوع.
(٣) أخرجه البخاري في الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ١٣ / ٢٤٩، والمصنف في شرح السنة: ١ / ١٩٢.