﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (٢٩) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠) ﴾.
﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾ ١٦٩/ب أَيْ: لَهُمْ مَثْلُهَا، كَمَا قَالَ: " وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا " (الْأَنْعَامِ -١٦٠). ﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ وَ"مِنْ" صِلَةٌ، أَيْ: مَالَهُمْ مِنَ اللَّهِ عَاصِمٌ، ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ﴾ أُلْبِسَتْ، ﴿وُجُوهُهُمْ قِطَعًا﴾ جَمْعُ قِطْعَةٍ، ﴿مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا﴾ نُصِبَتْ عَلَى الْحَالِ دُونَ النَّعْتِ، وَلِذَلِكَ لَمَّ يَقُلْ: مُظْلِمَةٌ، تَقْدِيرُهُ: قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ فِي حَالِ ظُلْمَتِهِ، أَوْ قِطْعًا مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: "قِطْعًا" سَاكِنَةَ الطَّاءِ، أَيْ بَعْضًا، كَقَوْلِهِ: "بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ" (هُودٍ -٨١). ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ﴾ [أَيِ: الْزَمُوا مَكَانَكُمْ] (١) ﴿أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ﴾ يَعْنِي: الْأَوْثَانَ، مَعْنَاهُ: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينِ أَشْرَكُوا: الْزَمُوا أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ مَكَانَكُمْ، وَلَا تَبْرَحُوا. ﴿فَزَيَّلْنَا﴾ مَيَّزْنَا وَفَرَّقْنَا ﴿بَيْنَهُمْ﴾ أَيْ: بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَشُرَكَائِهِمْ، وَقَطَعْنَا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ التَّوَاصُلِ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ حِينَ يَتَبَرَّأُ كُلُّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِمَّنْ عَبَدَهُ، ﴿وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ يَعْنِي: الْأَصْنَامَ، ﴿مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ بِطِلْبَتِنَا فَيَقُولُونَ: بَلَى، كُنَّا نَعْبُدُكُمْ، فَتَقُولُ الْأَصْنَامُ:
﴿فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ أَيْ: مَا كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ إِيَّانَا إِلَّا غَافِلِينَ، مَا كُنَّا نَسْمَعُ وَلَا نُبْصِرُ وَلَا نَعْقِلُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو﴾ أَيْ: تُخْتَبَرُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: تَعْلَمُ وَتَقِفُ عَلَيْهِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: "تَتْلُو" بِتَاءَيْنِ، أَيْ: تَقْرَأُ، ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ صَحِيفَتَهَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَتْبَعُ كُلُّ نَفْسٍ ﴿مَا أَسْلَفَتْ﴾

(١) ساقط من "أ".


الصفحة التالية
Icon