" لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ " (الْكَافِرُونَ -٦).
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْجِهَادِ (١).
ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ التَّوْفِيقَ لِلْإِيمَانِ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ:
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (٤٢) ﴾.
(١) ورواه الطبري أيضا عن ابن زيد: ١٥ / ٩٥. وانظر: الدر المنثور: ٤ / ٣٦٤. وانظر فيما سبق: ٣ / ٣٢ تعليق (١).
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) ﴾.
فَقَالَ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ بِأَسْمَاعِهِمُ الظَّاهِرَةِ فَلَا يَنْفَعُهُمْ، ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ﴾ يُرِيدُ: سَمْعَ الْقَلْبِ، ﴿وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ﴾.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ﴾ بِأَبْصَارِهِمُ الظَّاهِرَةِ، ﴿أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾ يُرِيدُ عَمَى الْقَلْبِ، ﴿وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾ وَهَذَا تَسْلِيَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُسْمِعَ مَنْ سَلَبْتُهُ السَّمْعَ، وَلَا أَنْ تَهْدِيَ مَنْ سَلَبْتُهُ الْبَصَرَ، وَلَا أَنْ تُوَفِّقَ لِلْإِيمَانِ مَنْ حَكَمْتُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُؤْمِنُ.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾ لِأَنَّهُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ مُتَفَضِّلٌ عَادِلٌ، ﴿وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بِالْكَفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ قَرَأَ حَفْصٌ بِالْيَاءِ، وَالْآخَرُونَ بِالنُّونِ، ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ﴾ قَالَ الضَّحَّاكُ: كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا قَدْرَ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، ﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حِينَ بُعِثُوا مِنَ الْقُبُورِ كَمَعْرِفَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ تَنْقَطِعُ الْمَعْرِفَةُ إِذَا عَايَنُوا أَهْوَالَ الْقِيَامَةِ. وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْرِفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ بِجَنْبِهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ هَيْبَةً وَخَشْيَةً. (١)
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ وَالْمُرَادُ مِنَ الْخُسْرَانِ: خُسْرَانُ النَّفْسِ، وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ.
(١) عزاه السيوطي لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن الحسن. الدر المنثور: ٤ / ٣٦٥.