﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾ يَا مُحَمَّدُ، ﴿بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ فِي حَيَاتِكَ مِنَ الْعَذَابِ، ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ قَبْلَ تَعْذِيبِهِمْ، ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ فِي الْآخِرَةِ، ﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾ فَيَجْزِيهِمْ بِهِ، "ثُمَّ" بِمَعْنَى الْوَاوِ، تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهُ شَهِيدٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فَكَانَ الْبَعْضُ الَّذِي أَرَاهُ قَتْلَهُمْ بِبَدْرٍ، وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ﴾ وَكَذَّبُوهُ، ﴿قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ أَيْ عُذِّبُوا فِي الدُّنْيَا وَأُهْلِكُوا بِالْعَذَابِ، يَعْنِي: قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ، لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قُضِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ لَا يُعَذَّبُونَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَلَا يُؤَاخَذُونَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ وَلَا يُزَادُ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ.
﴿وَيَقُولُونَ﴾ أَيْ: وَيَقُولُ الْمُشْرِكُونَ: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ الَّذِي تَعِدُنَا يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْعَذَابِ. وَقِيلَ: قِيَامُ السَّاعَةِ، ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَأَتْبَاعُكَ.
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي﴾ لَا أَقْدِرُ لَهَا عَلَى شَيْءٍ، ﴿ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ أَيْ: دَفْعَ ضُرٍّ وَلَا جَلْبَ نَفْعٍ، ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ أَنْ أَمْلِكَهُ، ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ مُدَّةٌ مَضْرُوبَةٌ، ﴿إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾ وَقْتُ فَنَاءِ أَعْمَارِهِمْ، ﴿فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ أَيْ: لَا يَتَأَخَّرُونَ وَلَا يَتَقَدَّمُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا﴾ لَيْلًا ﴿أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ﴾ أَيْ: مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنَ اللَّهِ الْمُشْرِكُونَ. وَقِيلَ: مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنَ الْعَذَابِ الْمُجْرِمُونَ، وَقَدْ وَقَعُوا فِيهِ؟ وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ الْعَذَابَ، فَيَقُولُونَ: " اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " (الْأَنْفَالِ -٣٢). فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَاذَا يَسْتَعْجِلُ﴾ يَعْنِي: أَيْشٍ (١) يَعْلَمُ

(١) أي شي؟.


الصفحة التالية
Icon