وَرُوِيَ أَنَّ الْمَاءَ علا على رؤوس الْجِبَالِ قَدْرَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا. [وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا] (١).
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ الْمَاءُ فِي السِّكَكِ خَشِيَتْ أَمٌ لِصَبِيٍّ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَخَرَجَتْ إِلَى الْجَبَلِ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ ارْتَفَعَتْ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَهَا ذَهَبَتْ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ رَقَبَتَهَا رَفَعَتِ الصَّبِيَّ بِيَدَيْهَا حَتَّى ذَهَبَ بِهَا الْمَاءُ، فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَحَدًا لِرَحِمِ أُمَّ الصَّبِيِّ (٢).
﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) ﴾.
﴿وَقِيلَ﴾ يَعْنِي: بَعْدَمَا تَنَاهَى أَمْرُ الطُّوفَانِ: ﴿يَا أَرْضُ ابْلَعِي﴾ تَشَرَّبِي، ﴿مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾ أَمْسِكِي، ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ نَقَصَ وَنَضَبَ، يُقَالُ: غَاضَ الْمَاءُ يَغِيضُ غَيْضًا إِذَا نَقَصَ، وَغَاضَهُ اللَّهُ أَيْ أَنْقَصَهُ، ﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ فُرِغَ مِنَ الْأَمْرِ وَهُوَ هَلَاكُ الْقَوْمِ ﴿وَاسْتَوَتْ﴾ يَعْنِي السَّفِينَةُ اسْتَقَرَّتْ، ﴿عَلَى الْجُودِيِّ﴾ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ بِقُرْبِ الْمَوْصِلِ، ﴿وَقِيلَ بُعْدًا﴾ هَلَاكًا، ﴿لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
وَرُوِيَ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعَثَ الْغُرَابَ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْضِ فَوَقَعَ عَلَى جِيفَةٍ فَلَمْ يَرْجِعْ فَبَعَثَ الْحَمَامَةَ فَجَاءَتْ بِوَرَقِ زَيْتُونٍ فِي مِنْقَارِهَا وَلَطَّخَتْ رِجْلَيْهَا بِالطِّينِ، فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ نَضَبَ، فَقِيلَ إِنَّهُ دَعَا عَلَى الْغُرَابِ بِالْخَوْفِ فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ، وَطَوَّقَ الْحَمَامَةَ الْخُضْرَةَ الَّتِي فِي عُنُقِهَا وَدَعَا لَهَا بِالْأَمَانِ، فَمِنْ ثَمَّ تَأْمَنُ وَتَأْلَفُ الْبُيُوتَ (٣).
وَرُوِيَ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ رَكِبَ السَّفِينَةَ لِعَشْرٍ مَضَتْ مِنْ رَجَبٍ وَجَرَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَمَرَّتْ بِالْبَيْتِ فَطَافَتْ بِهِ سَبْعًا (٤) وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْغَرَقِ وَبَقِيَ مَوْضِعُهُ، وَهَبَطُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَصَامَ نُوحٌ، وَأَمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ بِالصَّوْمِ شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(٢) أخرجه الحاكم: ٢ / ٣٤٢ وصححه وقال الذهبي إسناده مظلم، وموسى ليس بذاك. وقد ذكر في القصة أن الله تعالى أيبس أصلاب الآباء وأعقم أرحام النساء قبل العذاب بأربعين سنة، وقيل: بسبعين سنة، ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب، لقوله تعالى "وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم"، فلم يوجد التكذيب من الأطفال، فحكاية أم الصبي عجيبة. ويمكن أن يقال: يجوز أن سن بلوغهم فوق السبعين لطول أعمارهم فكان فيهم الصبيان فعمهم العذاب. وقد يقال إن في ذلك روايتين: الأولى أنه أيبس أصلاب آبائهم وأعقم أرحام نسائهم قبل العذاب بأربعين سنة أو سبعين، ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب. وفي رواية لم يكن ذلك الإيباس والإعقام، فيوجد فيهم الصبيان وقت العذاب تبعا لآبائهم المكذبين في عذاب الدنيا، أما في عذاب الآخرة ففيه مذهبان وقولان. فعند البعض هم في الآخرة مع آبائهم المكذبين، وعند البعض هم في الجنة، وهو الأصح والأقوى. انتهى ملتقطا من حاشية "أ" بشيء من التصرف.
(٣) انظر فيما سلف ص (١٧٧) تعليق (٤).
(٤) قال الساجي: حدثنا الربيع، حدثنا الشافعي قال: قيل لعبد الرحمن بن زيد: حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا وصلت خلف المقام ركعتين؟ قال نعم. قال الساجي: وهو منكر الحديث، وقال الطحاوي: حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف، وقال الحاكم وأبو نعيم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة. انظر: التهذيب: ٦ / ١٦٢، والتعليق السابق.