" وقالوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا " وَالصَّغِيرُ لَا ذَنْبَ لَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: اشْتَمَلَ فِعْلُهُمْ عَلَى جَرَائِمَ مَنْ قَطْعِ الرَّحِمِ، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ، وَقِلَّةِ الرَّأْفَةِ بِالصَّغِيرِ، الَّذِي لَا ذَنْبَ لَهُ، وَالْغَدْرِ بِالْأَمَانَةِ، وَتَرْكِ الْعَهْدِ وَالْكَذِبِ مَعَ أَبِيهِمْ. وَعَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ حَتَّى لَا يَيْئَسَ أَحَدٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
وَقَالَ بَعْضُ [أَهْلِ الْعِلْمِ] (١) إِنَّهُمْ عَزَمُوا عَلَى قَتْلِهِ وَعَصَمَهُمُ اللَّهُ رَحْمَةً بِهِمْ، وَلَوْ فَعَلُوا لَهَلَكُوا أَجْمَعِينَ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ أَنْبَأَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى (٢).
وَسُئِلَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: كَيْفَ قَالُوا "نَرْتَعُ وَنَلْعَبُ" وَهُمْ أَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَبَّأَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهِ بِضَرْبٍ مِنَ الْحِيَلِ.
﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١) ﴾.
﴿قَالُوا﴾ لِيَعْقُوبَ، ﴿يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: ﴿تَأْمَنَّا﴾ بِلَا إِشْمَامٍ (٣)، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ نَافِعٍ [وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: ﴿تَأْمَنَّا﴾ بِإِشْمَامِ الضَّمَّةِ فِي النُّونِ الْأُولَى الْمُدْغَمَةِ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الضَّمَّةِ، مِنْ غَيْرِ إِمْحَاضٍ، لِيُعْلَمَ أَنَّ أَصْلَهُ: لَا تَأْمَنُنَا بِنُونَيْنِ عَلَى تَفْعَلُنَا، فَأُدْغِمَتِ النُّونُ الْأُولَى في الثانية] (٤)، بدؤوا بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ إِرْسَالِهِ مَعَهُمْ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّكَ لَا تُرْسِلُهُ مَعَنَا أَتَخَافُنَا عَلَيْهِ؟.
﴿وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ قَالَ مُقَاتِلٌ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِأَبِيهِمْ: "أَرْسِلْهُ مَعَنَا" فَقَالَ أَبُوهُمْ: "إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ" فَحِينَئِذٍ قَالُوا: ﴿مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ النُّصْحُ هَا هُنَا هُوَ: الْقِيَامُ بِالْمَصْلَحَةِ، وَقِيلَ: الْبِرُّ وَالْعَطْفُ، مَعْنَاهُ: إِنَّا عَاطِفُونَ عَلَيْهِ، قَائِمُونَ بِمَصْلَحَتِهِ، نَحْفَظُهُ حَتَّى نَرُدَّهُ إِلَيْكَ.

(١) في "ب": بعضهم.
(٢) هذا على القول بأن الله نبأهم فيما بعد، وهو ما قال عنه ابن كثير: فيه نظر.
(٣) في "ب": شمة.
(٤) ساقط من "ب".


الصفحة التالية
Icon