وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ، مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا" (١).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْبُرْهَانِ: قَالَ قَتَادَةُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ رَأَى صُورَةَ يَعْقُوبَ، وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: يَا يُوسُفُ تَعْمَلُ عَمَلَ السُّفَهَاءِ وَأَنْتَ مَكْتُوبٌ فِي الْأَنْبِيَاءِ!.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ: انْفَرَجَ لَهُ سَقْفُ الْبَيْتِ فَرَأَى يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاضًّا عَلَى أُصْبُعِهِ (٢).
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مُثِّلَ لَهُ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِهِ فَخَرَجَتْ شَهْوَتُهُ مِنْ أَنَامِلِهِ (٣).
وَقَالَ السُّدِّيُّ: نُودِيَ يَا يُوسُفُ تُوَاقِعُهَا! إِنَّمَا مَثَلُكَ مَا لَمْ تُوَاقِعْهَا مَثَلُ الطَّيْرِ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ لَا يُطَاقُ، وَمَثَلُكَ إِنْ تُوَاقِعْهَا مَثَلُهُ إِذَا مَاتَ وَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَثَلُكَ مَا لَمْ تُوَاقِعْهَا مَثَلُ الثَّوْرِ الصَّعْبِ الَّذِي لَا يُطَاقُ، وَمَثَلُكَ إِنْ وَاقَعْتَهَا مَثَلُ الثَّوْرِ يَمُوتُ فَيَدْخُلُ النَّمْلُ فِي أَصْلِ قَرْنَيْهِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ قَالَ: حَلَّ سَرَاوِيلَهُ وَقَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ، فَإِذَا بِكَفٍّ قَدْ بَدَتْ بَيْنَهُمَا بِلَا مِعْصَمٍ وَلَا عَضُدٍ مَكْتُوبٍ عَلَيْهَا ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ (الِانْفِطَارِ -١١)، فَقَامَ هَارِبًا وَقَامَتْ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمَا الرُّعْبُ عَادَتْ وَعَادَ فَظَهَرَتْ تِلْكَ الْكَفُّ مَكْتُوبًا عَلَيْهَا: ﴿ولا تقربوا الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ (الْإِسْرَاءِ -٣٢) فَقَامَ هَارِبًا وَقَامَتْ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمَا الرُّعْبُ عَادَتْ وَعَادَ، فَظَهَرَ، وَرَأَى تِلْكَ الْكَفَّ مَكْتُوبًا عَلَيْهَا: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ (الْبَقَرَةِ -٢٨١) فَقَامَ هَارِبًا وَقَامَتْ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمَا الرُّعْبُ عَادَتْ وَعَادَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَدْرِكْ عَبْدِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الْخَطِيئَةَ، فَانْحَطَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاضًّا عَلَى أُصْبُعِهِ، يَقُولُ: يَا يُوسُفُ تَعْمَلُ عَمَلَ السُّفَهَاءِ وَأَنْتَ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْأَنْبِيَاءِ (٤).
وَرُوِيَ أَنَّهُ مَسَحَهُ بِجَنَاحِهِ فَخَرَجَتْ شَهْوَتُهُ مِنْ أَنَامِلِهِ.

(١) أخرجه البخاري في التوحيد، باب (يريدون أن يبدلوا كلام الله) : ٨ / ١٩٨، وفي الرقاق: باب من همَّ بحسنة عن ابن عباس، ٧ / ١٧٨، ومسلم في الإيمان، باب إذا همَّ العبد بحسنة كتبت، وإذا همَّ بسيئة لم تكتب، برقم (٢٠٥) : ١ / ١١٧، من طريق عبد الرزاق بسنده لصحيفة همام بن منبه، انظر: المصنف لعبد الرزاق، كتاب الجامع: ١١ / ٢٨٧، ومن طريقه أخرجها البغوي في شرح السنة: ١٤ / ٣٣٧، ٣٣٨. وراجع: صحيفة همام بن منبه بتحقيق الدكتور رفعت فوزي ص (١٨٨-١٨٩).
(٢) انظر الروايات عنهم في: الدر المنثور: ٤ / ٥٢١-٥٢٣.
(٣) إذا خرجت منه الشهوة فإنه لا فضل له في ترك الهم بها، لو أنه حصل منه.
(٤) وهل نزلت هذه الآيات الكريمة على أحد قبل نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.


الصفحة التالية
Icon