الضَّمَانِ فِي الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، لِيَكُونَ أَدْعَى لَهُمْ إِلَى الْعَوْدِ، لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا، أَيْ: كَرَامَتَهُمْ عَلَيْنَا.
وَقِيلَ: رَأَى لُؤْمًا أَخْذَ ثَمَنِ الطَّعَامِ مِنْ أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ تَكَرُّمًا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: تَخَوَّفَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَ أَبِيهِ مِنَ الْوَرِقِ مَا يَرْجِعُونَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى.
وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ دِيَانَتَهُمْ تَحْمِلُهُمْ عَلَى رَدِّ الْبِضَاعَةِ نَفْيًا لِلْغَلَطِ وَلَا يَسْتَحِلُّونَ إِمْسَاكَهَا.
﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٦٣) ﴾.
﴿قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) ﴾.
﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا﴾ إِنَّا قَدِمْنَا عَلَى خَيْرِ رَجُلٍ، أَنْزَلَنَا وَأَكْرَمَنَا كَرَامَةً لَوْ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ مَا أَكْرَمَنَا كَرَامَتَهُ، فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: إِذَا أَتَيْتُمْ مَلِكَ مِصْرَ فَأَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُولُوا لَهُ: إِنَّ أَبَانَا يُصَلِّي عَلَيْكَ وَيَدْعُو لَكَ بِمَا أَوْلَيْتَنَا، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ شَمْعُونُ؟ قَالُوا: ارْتَهَنَهُ مَلِكُ مِصْرَ، وَأَخْبَرُوهُ بِالْقِصَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: وَلِمَ أَخْبَرْتُمُوهُ؟ قَالُوا: إِنَّهُ أَخَذَنَا وَقَالَ أَنْتُمْ جَوَاسِيسُ -حَيْثُ كَلَّمْنَاهُ بِلِسَانِ الْعِبْرَانِيَّةِ-وَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، وَقَالُوا يَا أَبَانَا:
﴿مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ﴾ [قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ يُمْنَعُ مِنَّا الْكَيْلُ] (١) إِنْ لَمْ تَحْمِلْ أَخَانَا مَعَنَا.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَعْطَى بِاسْمِ كُلِّ وَاحِدٍ حِمْلًا وَمَنْعَ مِنَّا الْكَيْلَ لِبِنْيَامِينَ، وَالْمُرَادُ بِالْكَيْلِ: الطَّعَامُ، لِأَنَّهُ يُكَالُ.
﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا﴾ بِنْيَامِينَ، ﴿نَكْتَلْ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: ﴿يَكْتَلْ﴾ بِالْيَاءِ، يَعْنِي: يَكْتَلْ لِنَفْسِهِ كَمَا نَحْنُ نَكْتَالُ، [وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: ﴿نَكْتَلْ﴾ بِالنُّونِ، يَعْنِي: نَكْتَلْ نَحْنُ] (٢) وَهُوَ الطَّعَامُ. وَقِيلَ: نَكْتَلْ لَهُ، ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
﴿قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ﴾ يُوسُفَ ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ: كَيْفَ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ وَقَدْ فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ مَا فَعَلْتُمْ؟ ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: ﴿حَافِظًا﴾ بِالْأَلْفِ عَلَى التَّفْسِيرِ، كَمَا يُقَالُ: هُوَ خَيْرٌ رَجُلًا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: ﴿حِفْظًا﴾ بِغَيْرِ أَلْفٍ عَلَى الْمَصْدَرِ، يَعْنِي: خَيْرُكُمْ حِفْظًا، يَقُولُ: حِفْظُهُ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِكُمْ. ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾

(١) ساقط من "ب".
(٢) ما بين القوسين ساقط من "ب".


الصفحة التالية
Icon