وَقِيلَ: مَحَلُّهُ خَفْضٌ، يَعْنِي: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَآيَاتُ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ، ثُمَّ ابْتَدَأَ: "الْحَقَّ"، يَعْنِي: ذَلِكَ الْحَقُّ (١).
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنَ، وَمَعْنَاهُ: هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقُّ.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ حِينَ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ (٢) فَرَدَّ قَوْلَهُمْ ثُمَّ بَيَّنَ دَلَائِلَ رُبُوبِيَّتِهِ، فَقَالَ عَزَّ مَنْ قَائِلٍ: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّموَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾.
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) ﴾.
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ يَعْنِي: السَّوَارِيَ، وَاحِدُهَا عَمُودٌ، مِثْلُ: أَدِيمٍ وَأُدُمٍ، وَعُمُدٌ أَيْضًا جَمْعُهُ، مِثْلُ: رَسُولٍ وَرُسُلٍ.
وَمَعْنَاهُ نَفْيُ الْعَمَدِ أَصْلًا وَهُوَ الْأَصَحُّ، يَعْنِي: لَيْسَ مِنْ دُونِهَا دِعَامَةٌ تُدَعِّمُهَا وَلَا فَوْقَهَا عَلَاقَةٌ تُمْسِكُهَا.
قَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: السَّمَاءُ مُقَبَّبَةٌ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْقُبَّةِ (٣)
وَقِيلَ: "تَرَوْنَهَا" رَاجِعَةٌ إِلَى الْعُمُدِ، [مَعْنَاهُ] (٤) لَهَا عُمُدٌ وَلَكِنْ لَا تَرَوْنَهَا (٥)

(١) انظر في هذا وشواهده من العربية: تفسير الطبري: ١٦ / ٣٢١-٣٢٢، البحر المحيط: ٥ / ٣٥٩، المحرر الوجيز: ٨ / ١٠٩-١١٠.
(٢) وقيل: المراد اليهود والنصارى. والأولى أنه عام يندرج تحته هؤلاء وأولئك. انظر: البحر المحيط: ٥ / ٣٥٩.
(٣) وهذا مروي أيضا عن قتادة، ويدل عليه تصريحه تعالى في سورة الحج أنه هو الذي يمسكها أن تقع على الأرض في قوله: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه). فعلى هذا يكون قوله (ترونها) تأكيدا لنفي ذلك. أي: هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها. وهذا هو الأكمل في القدرة. وعلى هذا يكون الضمير في قوله "ترونها" عائدا على "السموات"، وجملة "ترونها" في موضع الحال. انظر: تفسير الطبري: ١٦ / ٣٢٥، تفسير ابن كثير: ٢ / ٥٠٠، أضواء البيان: ٣ / ٧٧-٧٨، المحرر الوجيز: ٨ / ١١٠.
(٤) ساقط من "ب".
(٥) وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه وعن مجاهد، والحسن، وقتادة، وغير واحد. وقال الطبري تعقيبا على هذين الرأيين: (١٦ / ٣٢٥) :"وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى: "الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها" فهي مرفوعة بغير عمد نراها، كما قال ربنا -جل ثناؤه- ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه".


الصفحة التالية
Icon