وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْهَادِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَأَنْتَ هَادٍ لِكُلِّ قَوْمٍ، أَيْ: دَاعٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْهَادِي هُوَ اللَّهُ تَعَالَى (١).
﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (٨) ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى﴾ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، سَوِيَّ الْخَلْقِ أَوْ نَاقِصَ الْخَلْقِ، وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ﴿وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ﴾ أَيْ مَا تَنْقُصُ ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾.
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ (٢) غَيْضُ الْأَرْحَامِ: الْحَيْضُ عَلَى الْحَمْلِ؛ فَإِذَا حَاضَتِ الْحَامِلُ كَانَ نُقْصَانًا فِي الْوَلَدِ، لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ غِذَاءُ الْوَلَدِ فِي الرَّحِمِ، فَإِذَا أَهْرَقَتِ الدَّمَ يَنْقُصُ الْغِذَاءُ فَيَنْتَقِصُ الْوَلَدُ، وَإِذَا لَمْ تَحِضْ يَزْدَادُ الْوَلَدُ وَيَتِمُّ، فَالنُّقْصَانُ نُقْصَانُ خِلْقَةِ الْوَلَدِ بِخُرُوجِ الدَّمِ، وَالزِّيَادَةُ تَمَامُ خِلْقَتِهِ بِاسْتِمْسَاكِ الدَّمِ.
وَقِيلَ: إِذَا حَاضَتْ يَنْتَقِصُ (٣) الْغِذَاءُ وَتَزْدَادُ مُدَّةُ الْحَمْلِ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ تِسْعَةَ (٤) أَشْهُرٍ ظَاهِرًا، فَإِنْ رَأَتْ (٥) خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَضَعَتْ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَالنُّقْصَانُ فِي الْغِذَاءِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمُدَّةِ (٦).

(١) ساق الطبري الأقوال في التفسير ثم قال: "وقد بينت معنى "الهداية" وأنه الإمام المتبع الذي يقدم القوم. فإذا كان ذلك كذلك، فجائز أن يكون هو الله الذي يهدي خلقه، ويتبع خلقه هداه، ويأتمون بأمره ونهيه. وجائز أن يكون نبي الله الذي تأتم به أمته. وجائز أن يكون إماما من الأئمة يؤتم به، ويتبع منهاجه وطريقته أصحابه. وجائز أن يكون داعيا من الدعاة إلى خير أو شر. وإن كان ذلك كذلك، فلا قول أولى في ذلك بالصواب من أن يقال كما قال جل ثناؤه: إن محمدا هو المنذر من أرسل إليه بالإنذار، وإن لكل قوم هاديا يهديهم فيتبعونه ويأتمون به". تفسير الطبري: ١٦ / ٣٥٨.
(٢) انظر في هذه الأقوال وتخريجها: الدر المنثور: ٤ / ٦٠٨-٦١٠، تفسير الطبري: ١٦ / ٣٥٩-٣٦٥. واقرأ كتاب "خلق الإنسان بين الطب والقرآن" للدكتور محمد علي البار، فصل دورة الأرحام ص (٦٩-٨٢).
(٣) في "ب": ينقص.
(٤) في "ب": بسبعة.
(٥) في "ب": زادت.
(٦) هذه الأقوال في تفسير الآية بناء على أن الحامل تحيض، وهو مذهب مالك والشافعي في أحد قوليه. وقال عطاء والشعبي وغيرهما: لا تحيض. وبه قال أبو حنيفة، ودليله الآية. قال ابن عباس في تأويل الآية: إنه حيض الحبالى، وكذلك روي عن عكرمة ومجاهد، وهو قول عائشة، وأنها كانت تفتي النساء الحوامل إذا حضن أن يتركن الصلاة؛ والصحابة إذ ذاك متوافرون، ولم ينكر منهم أحد عليها، فصار كالإجماع. وقال أبو حنيفة: لو كانت الحامل تحيض، وكان ما تراه المرأة من الدم حيضا لما صح استبراء الأمة بحيض، وهو إجماع. وروي عن مالك في كتاب محمد ما يقتضي أنه ليس بحيض. انظر: تفسير القرطبي: ٩ / ٢٨٦. أحكام القرآن للجصاص: ٤ / ٣٩٧-٣٩٩، تفسير ابن عطية: ٨ / ١٣٠-١٣١، أحكام القرآن لابن العربي: ٣ / ١١١٠.


الصفحة التالية
Icon