جَمْعُ الْجَمْعِ مُعَقِّبَاتٌ، كَمَا قِيلَ: أَبْنَاوَاتُ (١) سَعْدٍ وَرِجَالَاتُ بَكْرٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ، مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ-: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ" (٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ يَعْنِي: مِنْ قُدَّامِ هَذَا الْمُسْتَخْفِي بِاللَّيْلِ وَالسَّارِبِ بِالنَّهَارِ، وَمِنْ خَلْفِهِ: مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: بِأَمْرِ اللَّهِ، أَيْ: يَحْفَظُونَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ مَا لَمْ يَجِئِ الْمَقْدُورُ، فَإِذَا جَاءَ الْمَقْدُورُ خُلُوًّا عَنْهُ. وَقِيلَ: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ: أَيْ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْحِفْظِ عَنْهُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ، يَحْفَظُهُ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْهَوَامِّ، فَمَا مِنْهُمْ شَيْءٌ يَأْتِيهِ يُرِيدُهُ إِلَّا قَالَ وَرَاءَكَ! إِلَّا شَيْءٌ يَأْذَنُ اللَّهُ فِيهِ فَيُصِيبُهُ.
قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِكُمْ مَلَائِكَةً يَذُبُّونَ عَنْكُمْ فِي مَطْعَمِكُمْ وَمَشْرَبِكُمْ وَعَوْرَاتِكُمْ لَتَخَطَّفَكُمُ الْجِنُّ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْآيَةُ فِي الْأُمَرَاءِ وَحَرَسِهِمْ يَحْفَظُونَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ (٣).
(٢) أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر: ٢ / ٣٣، وفي بدء الخلق، ومسلم في المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما برقم (٦٣٢) : ١ / ٤٣٩، والمصنف في شرح السنة: ٢ / ٢٢٦. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (٢ / ٣٤) :"قال القرطبي: الواو في قوله "يتعاقبون" علامة الفاعل المذكر المجموع على لغة بلحارث وهم القائلون: أكلوني البراغيث، ومنه قول الشاعر: "بحوران يعصرن السليط أقاربه" وهي لغة فاشية، وعليها حمل الأخفش قوله تعالى: (وأسروا النجوى الذين ظلموا) قال: وقد تعسف بعض النحاة في تأويلها وردها للبدل، وهو تكلف مستغنى عنه، فإن تلك اللغة مشهورة ولها وجه من القياس واضح..".
(٣) ورجحه الطبري لأن قوله: (له معقبات) أقرب إلى قوله: (ومن هو مستخف بالليل) منه إلى (عالم الغيب) فهي لقربها منه أولى بأن تكون من ذكره، وأن يكون المعنى بذلك هذا مع دلالة قول الله تعالى: (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له) على أنهم المعنيون بذلك. وذلك أنه -جل ثناؤه- ذكر قوما أهل معصية له وأهل ريبة، يستخفون بالليل ويظهرون بالنار، ويمتنعون عند أنفسهم بحرس يحرسهم، ومنعة تمنعهم من أهل طاعته أن يحولوا بينهم وبين ما يأتون من معصية الله. ثم أخبر أن الله -تعالى ذكره- إذا أراد بهم سوءا لم ينفعهم حرسهم، ولا يدفع عنهم حفظهم". وأما ابن عطية فرجح التأويل الأول، وقال: وعلى كلا التأويلين ليست الضمائر لمعينين من البشر. انظر: تفسير الطبري: ١٦ / ٣٧٤، المحرر الوجيز لابن عطية ٨ / ١٣٧.