مَعْنَاهُ: إِنَّ الْبَاطِلَ وَإِنْ عَلَا فِي وَقْتٍ فَإِنَّهُ يَضْمَحِلُّ. وَقِيلَ: "جُفَاءً" أَيْ: مُتَفَرِّقًا. يُقَالُ: جَفَأَتِ الرِّيحُ الْغَيْمَ إِذَا فَرَّقَتْهُ وَذَهَبَتْ بِهِ.
﴿وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ يَعْنِي: الْمَاءَ وَالْفِلِزَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ، ﴿فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ أَيْ: يَبْقَى وَلَا يَذْهَبُ.
﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا مَثَلًا لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، أَيْ: أَنَّ الْبَاطِلَ كَالزَّبَدِ يَذْهَبُ وَيَضِيعُ، وَالْحَقَّ كَالْمَاءِ وَالْفِلِزِّ يَبْقَى فِي الْقُلُوبِ. وَقِيلَ: هَذَا تَسْلِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي: أَنَّ أَمْرَ الْمُشْرِكِينَ كَالزَّبَدِ يُرَى فِي الصُّورَةِ شَيْئًا وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَأَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالْمَاءِ الْمُسْتَقِرِّ فِي مَكَانِهِ لَهُ الْبَقَاءُ وَالثَّبَاتُ.
﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٨) ﴾.
﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٩) ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ﴾ أَجَابُوا لِرَبِّهِمُ فَأَطَاعُوهُ، ﴿الْحُسْنَى﴾ الْجَنَّةُ، ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ﴾ أَيْ: لَبَذَلُوا ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ افْتِدَاءً مِنَ النَّارِ، ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ﴾ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: سُوءُ الْحِسَابِ: أَنْ يُحَاسَبَ الرَّجُلُ بِذَنْبِهِ كُلِّهِ لَا يَغْفِرُ لَهُ من شيء ١٩٠/أ ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾ فِي الْآخِرَةِ ﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ الْفِرَاشُ، أَيْ: بِئْسَ مَا مُهِّدَ لَهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ﴾ فَيُؤْمِنُ بِهِ وَيَعْمَلُ بِمَا فِيهِ، ﴿كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾ عَنْهُ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ. قِيلَ: نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَأَبِي جَهْلٍ. وَقِيلَ: فِي عَمَّارٍ وَأَبِي جَهْلٍ (١).
فَالْأَوَّلُ حَمْزَةُ أَوْ عَمَّارٌ، وَالثَّانِي أَبُو جَهْلٍ، وَهُوَ الْأَعْمَى. أَيْ: لَا يَسْتَوِي مَنْ يُبْصِرُ الْحَقَّ وَيَتَّبِعُهُ وَمَنْ لَا يُبْصِرُهُ وَلَا يَتَّبِعُهُ.
﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ﴾ يَتَّعِظُ، ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ ذَوُو الْعُقُولِ.