﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ أَيْ: إِلَى دِينِهِ، وَ"الْعَزِيزُ"، هُوَ الْغَالِبُ، وَ"الْحَمِيدُ": هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ.
﴿اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٣) ﴾.
﴿اللَّهِ الَّذِي﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ: " اللَّهُ " بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَخَبَرُهُ فِيمَا بَعْدَهُ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْخَفْضِ نَعْتًا لِلْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١). وَكَانَ يَعْقُوبُ إِذَا وَصَلَ خَفَضَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْخَفْضُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، مَجَازُهُ: إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٢) ﴿الَّذِي لَهُ ما فٍي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ (٣).
﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ﴾ يَخْتَارُونَ، ﴿الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أَيْ:
(٢) قال الطبري: (١٦ / ٥١٣-٥١٤) :"وقد اختلف أهل العربية في تأويله إذا قرئ كذلك: فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقرؤه بالخفض، ويقول: معناه: بإذن ربهم إلى صراط (الله) العزيز الحميد الذي له ما في السموات. ويقول: هو من المؤخر الذي معناه التقديم، ويمثله بقول القائل: "مررت بالظريف عبد الله"، والكلام الذي يوضع مكان الاسم النعت، ثم يجعل الاسم مكان النعت، فيتبع إعرابه إعراب النعت الذي وضع موضع الاسم، كما قال بعض الشعراء:
لو كنت ذا نبل وذا شزيب | ما خفت شدات الخبيث الذيب |
(٣) قال الطبري: (١٦ / ٥١٤) : ومعنى قوله: "الله الذي له ما في السموات وما في الأرض"، الله الذي يملك جميع ما في السموات وما في الأرض. يقول لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتدعو عبادي إلى عبادة من هذه صفته، ويدعوا عبادة من لا يملك لهم ولا لنفسه ضرا ولا نفعا من الآلهة والأوثان. ثم توعد جل ثناؤه من كفر به، ولم يستجب لدعاء رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له، فقال: "وويل للكافرين من عذاب شديد"، يقول: الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم، لمن جحد وحدانيته، وعبد معه غيره، من عذاب الله الشديد".