وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بِوَقَائِعِ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ. يُقَالُ: فُلَانٌ عَالِمٌ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ، أَيْ بِوَقَائِعِهِمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِمَا كَانَ فِي أَيَّامِ اللَّهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْمِحْنَةِ، فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْأَيَّامِ عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ (١).
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ وَ"الصَّبَّارُ": الْكَثِيرُ الصَّبْرِ، وَ"الشَّكُورُ": الْكَثِيرُ الشُّكْرِ، وَأَرَادَ: لِكُلِّ مُؤْمِنٍ، لِأَنَّ الصَّبْرَ وَالشُّكْرَ مِنْ خِصَالِ الْمُؤْمِنِينَ.

(١) ورد الطبري هذا القول والشاهد الذي استشهدوا به على ذلك، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: (٨ / ٢٠٣) :"ولفظة الأيام" تعم المعنيين، لأن التذكير يقع بالوجهين جميعا".

﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧) ﴾.
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ (١) قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعِلَّةُ الْجَالِبَةُ لِهَذِهِ الْوَاوِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَهُمْ أَنَّ آلَ فِرْعَوْنَ كَانُوا يُعَذِّبُونَهُمْ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ غَيْرِ التَّذْبِيحِ، وَبِالتَّذْبِيحِ، وَحَيْثُ طَرَحَ الْوَاوَ فِي "يُذَبِّحُونَ" وَ"يُقَتِّلُونَ" أَرَادَ تَفْسِيرَ الْعَذَابِ الَّذِي كَانُوا يَسُومُونَهُمْ (٢) ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ يَتْرُكُوهُنَّ أَحْيَاءً ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ (٣).
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ أَيْ: أَعْلَمَ، يُقَالُ: أَذَّنَ وَتَأَذَّنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مِثْلُ أَوْعَدَ وَتَوَعَّدَ،
(١) أخرج الطبري عن ابن عيينة في تفسيرها، قال: أيادي الله عندكم وأيامه.
(٢) وزاد الطبري ذلك بيانا فقال في التفسير: (١٦ / ٥٢٤) :"وأدخلت الواو في هذا الموضع؛ لأنه أريد بقوله: "ويذبحون أبناءكم" الخبر عن أن آل فرعون كانوا يعذبون بني إسرائيل بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح. وأما في موضع آخر من القرآن، فإنه جاء بغير الواو: "يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم" (البقرة - ٤٩) في موضع، وفي موضع: "يقتلون أبناءكم" (الأعراف - ١٤١)، ولم تدخل الواو في المواضع التي لم تدخل فيها لأنه أريد بقوله: "يذبحون" وبقوله: "يقتلون": تبيينه صفات العذاب الذي كانوا يسومونهم. وكذلك العمل في كل جملة أريد تفصيلها، فبغير الواو تفصيلها، وإذا أريد العطف عليها بغيرها وغير تفصيلها فبالواو". وراجع ما كتبه -بتفصيل أوسع- أبو جعفر بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي في كتابه "ملاك التأويل" تحقيق د. محمود كامل أحمد: ١ / ٥٣-٥٧.
(٣) يقول تعالى: فيما يصنع بكم آل فرعون من أنواع العذاب، بلاء لكم من ربكم عظيم، أي: ابتلاء واختبار لكم، من ربكم عظيم. وقد يكون "البلاء في هذا الموضع نعماء، وقد يكون من البلاء الذي يصيب الناس من الشدائد". انظر: تفسير الطبري: ١٦ / ٥٢٥.


الصفحة التالية
Icon