بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِعَافِرَ (١). فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ، أَيْ بَالِغٍ، دِينَارًا وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْوَسَطِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الصِّبْيَانِ وَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَى النِّسْوَانِ، إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنَ الْأَحْرَارِ الْعَاقِلِينَ الْبَالِغِينَ مِنَ الرِّجَالِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ عَلَى كُلِّ مُوسِرٍ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَعَلَى كُلِّ مُتَوَسِّطٍ دِينَارَانِ، وَعَلَى كُلِّ فَقِيرٍ دِينَارٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ: سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ أَوْفَى، وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ، وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ، فَقَالُوا: كَيْفَ نَتْبَعُكَ وَقَدْ تَرَكْتَ قِبْلَتَنَا وَأَنْتَ لَا تَزْعُمُ أَنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ (٢).
قَرَأَ عَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ " عُزَيْرٌ " بِالتَّنْوِينِ وَالْآخَرُونَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَيُشْبِهُ اسْمًا مُصَغَّرًا، وَمَنْ نَوَّنَ قَالَ: لِأَنَّهُ اسْمٌ خَفِيفٌ، فَوَجْهُهُ أَنْ يُصْرَفَ، وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا مِثْلَ نُوحٍ وَهُودٍ وَلُوطٍ. وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّنْوِينَ وَقَالَ: لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْسُوبٍ إِلَى أَبِيهِ، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِكَ زَيْدٌ ابْنُ الْأَمِيرِ وَزَيْدٌ ابن أختنا، فعزيز مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ لَهُ.
وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: إِنَّمَا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنَ الْيَهُودِ اسْمُهُ فِنْحَاصُ بْنُ عَازُورَاءَ (٣).

(١) أخرجه الترمذي في الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر: ٣ / ٢٥٧ وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود في الإمارة، باب في أخذ الجزية: ٤ / ٢٤٩، والنسائي في الزكاة: ٥ / ٢٥-٢٦، وابن حبان في موارد الظمآن ص (٧٩٤) والإمام أحمد في المسند: ٥ / ٢٣٠، ٢٣٣، وصححه الحاكم: ١ / ٣٩٨، وأخرجه المصنف في شرح السنة: ١١ / ١٧٢.
(٢) أخرجه الطبري في التفسير: ١٤ / ٢٠٢، وابن إسحاق في السيرة: ١ / ٥٧٠، وعزاه السيوطي أيضا مع الرواية الأخرى لابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه. الدر المنثور: ٤ / ١٧٠-١٧١.
(٣) تفسير الطبري: ١٤ / ٢٠١، وأخرجه ابن المنذر عن ابن جريج. الدر المنثور: ٤ / ١٧١.


الصفحة التالية
Icon