وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، وَمِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، فَاسْتَثْنَى امْرَأَةَ لُوطٍ مِنَ النَّاجِينَ فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْهَالِكِينَ.
قَرَأَ أَبُو بكر "قدرنا" هاهنا وَفِي سُورَةِ النَّمْلِ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ. وَالْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِهَا.
﴿فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦) ﴾
﴿قَالَ﴾ لُوطٌ لَهُمْ ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ أَيْ: أَنَا لَا أَعْرِفُكُمْ.
﴿قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ أَيْ: يَشُكُّونَ فِي أَنَّهُ نَازِلٌ بِهِمْ، وَهُوَ الْعَذَابُ، لِأَنَّهُ كَانَ يُوعِدُهُمْ بِالْعَذَابِ وَلَا يُصَدِّقُونَهُ.
﴿وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ بِالْيَقِينِ. وَقِيلَ: بِالْعَذَابِ ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾
﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ﴾ أَيْ: سِرْ خَلْفَهُمْ ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾ حَتَّى لَا يَرْتَاعُوا مِنَ الْعَذَابِ إِذَا نَزَلَ بِقَوْمِهِمْ.
وَقِيلَ: جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَامَةً لِمَنْ يَنْجُو مِنْ آلِ لُوطٍ.
﴿وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الشَّامَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي زُغَرَ (١) وَقِيلَ: الْأُرْدُنُ.
﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ﴾ أَيْ: فَرَغْنَا إِلَى آلِ لُوطٍ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ، أَيْ: أَحْكَمْنَا الْأَمْرَ الَّذِي أُمِرْنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ، وَأَخْبَرْنَاهُ: ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ﴾ يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ: وَقُلْنَا لَهُ إِنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ، يَعْنِي: أَصْلَهُمْ، ﴿مَقْطُوعٌ﴾ مُسْتَأْصَلٌ، ﴿مُصْبِحِينَ﴾ إِذَا دَخَلُوا فِي الصُّبْحِ.

(١) في "ب" "زعر" - بالعين المهملة الساكنة، أوله مفتوح - موضع بالحجاز، قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان" (٣ / ١٤٢-١٤٣) "زغر" بالغين المعجمة، بوزن زُفَر - قرية بمشارف الشام وإياها عنى أبو دؤاد الإيادي حيث قال:وقيل: "زغر" اسم بنت لوط، عليه السلام، نزلت بهذه القرية فسميت باسمها؛ وقال حاتم الطائي:
ككتابة الزغري غَشَّا ها من الذهب الدُّلامص
سقى الله رب الناس سحًا وديمة جنوب السراة من مآبٍ إلى زُعَر
وجاء ذكر "زغر" في حديث الجساسة، الذي أخرجه مسلم في الفتن برقم (٢٩٤٢) ٤ / ٢٢٦١-٢٢٦٤.


الصفحة التالية
Icon