﴿فَتُكْوَى بِهَا﴾ فَتُحْرَقُ بِهَا، ﴿جِبَاهُهُمْ﴾ أَيْ: جِبَاهُ كَانِزِيهَا، ﴿وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُوضَعُ دِينَارٌ عَلَى دِينَارٍ وَلَا دِرْهَمٌ عَلَى دِرْهَمٍ، وَلَكِنْ يُوَسَّعُ جِلْدُهُ حَتَّى يُوضَعَ كُلُّ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ فِي مَوْضِعٍ عَلَى حِدَةٍ.
وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: لِمَ خَصَّ الْجِبَاهَ وَالْجَنُوبَ وَالظُّهُورَ بِالْكَيِّ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْغَنِيَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ إِذَا رَأَى الْفَقِيرَ قَبَضَ وَجْهَهُ، وَزَوَى مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَوَلَّاهُ ظَهْرَهُ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ بِكَشْحِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هَذَا مَا كَنَزْتُمْ﴾ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ: هَذَا مَا كَنَزْتُمْ، ﴿لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ أَيْ: تَمْنَعُونَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْوَالِكُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هِيَ عَامَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦) ﴾.
﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٣٧) ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ﴾ أَيْ: عَدَدَ الشُّهُورِ، ﴿عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ وَهِيَ الْمُحَرَّمُ وَصَفْرٌ وَرَبِيعٌ الْأَوَّلُ وَشَهْرُ رَبِيعٍ الثَّانِي وَجُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةُ وَرَجَبٌ وَشَعْبَانُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ وَشَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ أَيْ: فِي حُكْمِ اللَّهِ. وَقِيلَ: فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: اثْنَا عَشْرَ، وَتِسْعَةَ عَشْرَ، وَأَحَدَ عَشْرَ، بِسُكُونِ الشِّينِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِفَتْحِهَا، ﴿يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ وَالْمُرَادُ مِنْهُ: الشُّهُورُ الْهِلَالِيَّةُ، وَهِيَ الشُّهُورُ الَّتِي يَعْتَدُّ بِهَا الْمُسْلِمُونَ فِي صِيَامِهِمْ وَحَجِّهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَسَائِرِ أُمُورِهِمْ، وَبِالشُّهُورِ الشَّمْسِيَّةِ تكون السنة ثلاث مائة وَخَمْسَةً وَسِتِّينَ يَوْمًا وَرُبْعَ يَوْمٍ، وَالْهِلَالِيَّةُ تنقص عن ثلاث مائة وَسِتِّينَ يَوْمًا بِنُقْصَانِ الْأَهِلَّةِ. وَالْغَالِبُ أَنَّهَا تَكُونُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا، ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ مِنَ الشُّهُورِ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ وَهِيَ: رَجَبٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَاحِدٌ فَرْدٌ وَثَلَاثَةٌ سَرْدٌ، ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ أَيِ: الْحِسَابُ الْمُسْتَقِيمُ.
﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ قِيلَ: قَوْلُهُ "فِيهِنَّ" يَنْصَرِفُ إِلَى جَمِيعِ شُهُورِ السَّنَةِ، أَيْ: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بِفِعْلِ الْمَعَاصِي وَتَرْكِ الطَّاعَةِ. وَقِيلَ: "فِيهِنَّ" أَيْ: فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. قَالَ قَتَادَةُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَعْظَمُ أَجْرًا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَالظُّلْمُ فِيهِنَّ أَعْظَمُ مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهُنَّ، وَإِنْ


الصفحة التالية
Icon