مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِيَ كِنَانَةَ يُقَالُ: لَهُ نُعَيْمُ بْنُ ثَعْلَبةَ، وَكَانَ يَكُونُ أَمِيرًا عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْسِمِ، فَإِذَا هَمَّ النَّاسُ بِالصَّدَرِ، قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: لَا مَرَدَّ لِمَا قَضَيْتُ، أَنَا الَّذِي لَا أُعَابُ وَلَا أُجَابُ، فَيَقُولُ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: لَبَّيْكَ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُنْسِأَهُمْ شَهْرًا يُغِيرُونَ فِيهِ، فيقول: فإن صفرًا الْعَامَ حَرَامٌ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ حَلُّوا الْأَوْتَارَ، وَنَزَعُوا الْأَسِنَّةَ وَالْأَزِجَّةَ، وَإِنْ قَالَ حَلَالٌ عَقَدُوا الْأَوْتَارَ وَشَدُّوا الْأَزِجَّةَ، وَأَغَارُوا. وَكَانَ مِنْ بَعْدِ نُعَيْمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: جَنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ، وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ: الْقَلَمَّسُ، قَالَ شَاعِرُهُمْ: "وَفِينَا نَاسِئُ الشَّهْرِ الْقَلَمَّسُ"، وَكَانُوا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِلَّا فِي ذِي الْحِجَّةِ إِذَا اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ لِلْمَوْسِمِ.
وَقَالَ جُوَيْبِرُ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ النَّسِيءَ عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمْعَةَ بْنِ خِنْدِفٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَدِ الْقَاهِرِ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمْعَةَ بْنِ خِنْدِفٍ أَبَا بَنِي كَعْبٍ، وَهُوَ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ" (١).
فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَنَا هُوَ النَّسِيءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ يُرِيدُ زِيَادَةَ كُفْرٍ عَلَى كُفْرِهِمْ، ﴿يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: ﴿يُضَلُّ﴾ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ"، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ عَلَى مَعْنَى " يُضِلُّ " بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا النَّاسَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الضَّالُّونَ لِقَوْلِهِ: ﴿يُحِلُّونَهُ﴾ يَعْنِي النَّسِيءَ ﴿عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا﴾ أَيْ: لِيُوَافِقُوا، وَالْمُوَاطَأَةُ: الْمُوَافَقَةُ، ﴿عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ يُرِيدُ أَنَّهُمْ لَمْ يُحِلُّوا شَهْرًا مِنَ الْحَرَامِ إِلَّا حَرَّمُوا مَكَانَهُ شَهْرًا مِنَ الْحَلَالِ، وَلَمْ يُحَرِّمُوا شَهْرًا مِنَ الْحَلَالِ إِلَّا أَحَلُّوا مَكَانَهُ شَهْرًا مِنَ الْحَرَامِ، لِئَلَّا يَكُونَ الْحَرَامُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَكُونُ مُوَافَقَةَ الْعَدَدِ، ﴿فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: زَيَّنَّ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾

(١) سبق تخريجه في سورة المائدة ٣ / ١٠٨. وليس في الحديث ما يدل على أن عمرو بن لحي أول من سنَّ النسيء.


الصفحة التالية
Icon