قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا اللُّطْفِ بَدَأَ بِالْعَفْوِ قَبْلَ أَنْ يُعَيِّرَهُ بِالذَّنْبِ.
وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَّرَهُ وَرَفَعَ مَحَلَّهُ بِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ بِالدُّعَاءِ لَهُ، كَمَا يَقُولُ الرَّجْلُ لِمَنْ يُخَاطِبُهُ إِذَا كَانَ كَرِيمًا عِنْدَهُ: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ مَا صَنَعْتَ فِي حَاجَتِي؟ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ أَلَا زُرْتَنِي. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَدَامَ اللَّهُ لَكَ الْعَفْوَ.
﴿لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ أَيْ: فِي التَّخَلُّفِ عَنْكَ ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ فِي أَعْذَارِهِمْ، ﴿وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ فِيهَا، أَيْ: تَعْلَمَ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ يَوْمَئِذٍ.
﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ أَيْ: لَا يَسْتَأْذِنُكَ فِي التَّخَلُّفِ، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾.
﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ أَيْ شَكَّتْ وَنَافَقَتْ، ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ مُتَحَيِّرِينَ.
﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ﴾ إِلَى الْغَزْوِ، ﴿لَأَعَدُّوا لَهُ﴾ أي: لهيؤوا لَهُ ﴿عُدَّةً﴾ أُهْبَةً وَقُوَّةً مِنَ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ﴾ خُرُوجَهُمْ، ﴿فَثَبَّطَهُمْ﴾ مَنَعَهُمْ وَحَبَسَهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ، ﴿وَقِيلَ اقْعُدُوا﴾ فِي بُيُوتِكُمْ، ﴿مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ يَعْنِي: مَعَ الْمَرْضَى وَالزَّمْنَى. وَقِيلَ: مَعَ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقِيلَ﴾ أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اقْعُدُوا. وَقِيلَ: أَوْحَى إِلَى قُلُوبِهِمْ وَأُلْهِمُوا أَسْبَابَ الْخُذْلَانِ.


الصفحة التالية
Icon