يَمُوتُوا فَيَسْتَيْقِنُوا. ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ الْآيَةُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: لَمَّا بَايَعَتِ الْأَنْصَارُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة العقبة ١٦٥/أبِمَكَّةَ وَهْم سَبْعُونَ نَفْسًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ.
فَقَالَ: أَشْتَرِطُ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي، أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ.
قَالُوا: فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَا لَنَا؟
قَالَ: الْجَنَّةُ، قَالُوا: رَبِحَ الْبَيْعُ لَا نُقِيلُ وَلَا نَسْتَقِيلُ (١) فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ (٢).
وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: " بِالْجَنَّةِ ".
﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "فَيُقْتَلُونَ" بِتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفَاعِلِ بِمَعْنَى يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَقْتُلُ الْبَاقُونَ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَقْدِيمِ الْفَاعِلِ. ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ أَيْ: ثَوَابُ الْجَنَّةِ لَهُمْ وَعْدٌ وحقٌ ﴿فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَهُمْ هَذَا الْوَعْدَ، وَبَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ. وَقِيلَ (٣) : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْمِلَلِ كُلِّهُمْ أُمِرُوا بِالْجِهَادِ عَلَى ثَوَابِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ هَنَّأَهُمْ فَقَالَ: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا﴾ فَافْرَحُوا ﴿بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَايَعَكَ وَجَعَلَ الصَّفْقَتَيْنِ لَكَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ثَامَنَهُمُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَأَغْلَى لَهُمْ (٤).
وَقَالَ الْحَسَنُ: اسْمَعُوا إِلَى بَيْعَةٍ رَبِيحَةٍ بَايَعَ اللَّهُ بِهَا كُلَّ مُؤْمِنٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ الدُّنْيَا فَاشْتَرِ الْجَنَّةَ بِبَعْضِهَا.
ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ: ﴿التَّائِبُونَ﴾ قَالَ الْفَرَّاءُ: اسْتُؤْنِفَتْ بِالرَّفْعِ لِتَمَامِ الْآيَةِ وَانْقِطَاعِ الْكَلَامِ. وَقَالَ
(٢) أخرجه الطبري: ١٤ / ٤٩٩. وانظر: الكافي الشاف ص (٨١) أسباب النزول ص (٣٠٠).
(٣) قيل: ساقطة من "أ".
(٤) "ثامنت الرجل في المبيع": إذا قاولْتهُ في ثمنه وفاوضته، وساومته على بيعه واشترائه وانظر: الطبري: ١٤ / ٤٩٩.