﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (٧٥) ﴾
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (٧٦) ﴾
﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ﴾ عَلَى الْحَقِّ بِعِصْمَتِنَا ﴿لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ﴾ أَيْ: تَمِيلُ ﴿إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ أَيْ: قَرِيبًا مِنَ الْفِعْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومًا فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقْرُبَ مِمَّا طَلَبُوهُ وَمَا طَلَبُوهُ كُفْرٌ؟
قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ خَاطِرَ قَلْبٍ وَلَمْ يَكُنْ عَزْمًا وَقَدْ غَفَرَ (١) اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: "اللَّهُمَّ لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ" (٢).
وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ وَقَدْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ وَلَمْ يَرْكَنْ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا" (النِّسَاءِ-٨٣) [وَقَدْ تَفَضَّلَ فَلَمْ يَتَّبِعُوا] (٣). ﴿إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ أَيْ: لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ عَذَابِ الْحَيَاةِ وَضَعْفَ عَذَابِ الْمَمَاتِ يَعْنِي: أَضْعَفْنَا لَكَ الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقِيلَ: "الضِّعْفُ": هُوَ الْعَذَابُ سُمِّيَ ضِعْفًا لِتَضَاعُفِ الْأَلَمِ فِيهِ.
﴿ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ أَيْ: نَاصِرًا يَمْنَعُكَ مِنْ عَذَابِنَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ كَرِهَ الْيَهُودُ مُقَامَهُ بِالْمَدِينَةِ حَسَدًا مِنْهُمْ فَأَتَوْهُ وَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَذِهِ بِأَرْضِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ أَرْضَ الْأَنْبِيَاءِ الشَّامُ [وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ وَكَانَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا مِثْلَهُمْ فَأْتِ الشَّامَ] (٤) وَإِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْهَا مَخَافَتُكَ الرُّومَ وَإِنَّ اللَّهَ سَيَمْنَعُكَ مِنَ الرُّومِ إِنْ كُنْتَ رَسُولَهُ

(١) في "ب": عفا.
(٢) قال الحافظ ابن حجر في "الكافي الشاف" ص (١٠١) :"لم أجده وذكره الثعلبي عن قتادة مرسلا". وقد تقدم أن هذه العبارة كافية في الحكم عليه بالوضع وعدم اعتداد المصنف رحمه الله بالجواب وترجيحه غيره يدل على ضعفه عنده وقارن بالطبري: ١٥ / ١٣١.
(٣) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٤) ساقط من "أ".


الصفحة التالية
Icon