﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩) ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ﴾ أَيْ: قُمْ بَعْدَ نَوْمِكَ وَالتَّهَجُّدُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ النَّوْمِ يُقَالُ: تَهَجَّدَ إِذَا قَامَ بَعْدَمَا نَامَ وَهَجَدَ إِذَا نَامَ.
وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ: قِيَامُ اللَّيْلِ لِلصَّلَاةِ.
وَكَانَتْ صلاة الليل ٢١٢/أفَرِيضَةً عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِابْتِدَاءِ وَعَلَى الْأُمَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا" (الْمُزَّمِّلِ-١) ثُمَّ نَزَلَ التَّخْفِيفُ فَصَارَ الْوُجُوبُ مَنْسُوخًا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَبَقِيَ الِاسْتِحْبَابُ: قَالَ الله تعالى: "فاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ" (الْمُزَّمِّلِ-٢٠) وَبَقِيَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١).
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرِيضَةٌ وَهُنَّ سُنَّةٌ لَكُمُ الْوِتْرُ [وَالسِّوَاكُ] (٢) وَقِيَامُ اللَّيْلِ" (٣).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿نَافِلَةً لَكَ﴾ أَيْ: زِيَادَةً لَكَ يُرِيدُ: فَضِيلَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى سَائِرِ الْفَرَائِضِ فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْكَ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَصَارَتْ نَافِلَةً وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: "نَافِلَةً لَكَ" وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْكَ (٤).
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى التَّخْصِيصِ وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي حَقِّ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قِيلَ: التَّخْصِيصُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ نَوَافِلَ الْعِبَادِ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِمْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَكَانَتْ نَوَافِلُهُ لَا تَعْمَلُ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ فَتَبْقَى لَهُ زِيَادَةٌ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ.

(١) قال القرطبي: (١٠ / ٣٠٨-٣٠٩) : وفي هذا بعد لوجهين: تسمية الفرض بالنفل وذلك مجاز لا حقيقة. الثاني: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خمس صلوات فرضهن الله على العباد" وقوله تعالى -في حديث المعراج-: "هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي"، وهذا نص فكيف يقال افترض عليه صلاة زائدة على الخمس؟ هذا ما لا يصح وإن كان قد روي عنه عليه الصلاة والسلام: "ثلاث علي فريضة... ".
(٢) ساقط من "ب".
(٣) أخرجه الطبراني في "الأوسط" وفيه موسى بن عبد الرحمن الصنعاني وهوكذاب انظر: مجمع الزوائد: ٨ / ٢٦٤. وعن ابن عباس أخرجه الإمام أحمد في المسند: ١ / ٢٣١، والبيهقي في السنن: ٢ / ٤٦٨ والحاكم في المستدرك: ١ / ٣٠٠ قال الذهبي: ما تكلم الحاكم عليه وهو غريب منكر ويحيى ضعفه النسائي والدارقطني. وقال الهيثمي: أخرجه أحمد والبزار بأسانيد والطبراني في الكبير والأوسط وفي أسانيدها جابر الجعفي وهو ضعيف وأبو جناب الكلبي مدلس. وانظر: نصب الراية ٢ / ١١٥ تلخيص الحبير: ٣ / ١١٨ فيض القدير: ٣ / ٣٠٩ مجمع الزوائد: ٨ / ٢٦٤.
(٤) راجع: زاد المسير: ٥ / ٧٥-٧٦ القرطبي: ١٠ / ٣٠٨-٣٠٩ أحكام القرآن للجصاص: ٥ / ٣٢-٣٣.


الصفحة التالية
Icon