مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخْلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ [فِي يَدِهِ] (١) وَيَقُولُ: "جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ" "جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ" (٢).
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (٨٣) ﴾
٢١٣/أقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ قِيلَ: "مِنْ" لَيْسَ لِلتَّبْعِيضِ وَمَعْنَاهُ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا كُلُّهُ شِفَاءٌ أَيْ: بَيَانٌ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ يُتَبَيَّنُ بِهِ الْمُخْتَلَفُ وَيَتَّضِحُ بِهِ الْمُشْكِلُ وَيُسْتَشْفَى بِهِ مِنَ الشُّبْهَةِ وَيُهْتَدَى بِهِ مِنَ الْحَيْرَةِ فَهُوَ شِفَاءُ الْقُلُوبِ بِزَوَالِ الْجَهْلِ عَنْهَا وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.
﴿وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ لِأَنَّ الظَّالِمَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَالْمُؤْمِنَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فَيَكُونُ رَحْمَةً لَهُ.
وَقِيلَ: زِيَادَةُ الْخَسَارَةِ لِلظَّالِمِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلَّ آيَةٍ تَنْزِلُ يَتَجَدَّدُ مِنْهُمْ تَكْذِيبٌ وَيَزْدَادُ لَهُمْ خَسَارَةٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يُجَالِسْ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ قَضَى اللَّهُ الَّذِي قَضَى شِفَاءً وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ﴾ عَنْ ذِكْرِنَا وَدُعَائِنَا ﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ أَيْ تَبَاعَدَ عَنَّا بِنَفْسِهِ أَيْ تَرَكَ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ: تَعَظَّمَ وَتَكْبَّرَ وَيَكْسِرُ النُّونَ وَالْهَمْزَةَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَفْتَحُ النُّونَ وَيَكْسِرُ الْهَمْزَةَ أَبُو بَكْرٍ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ "وَنَاءَ" مِثْلَ جَاءَ قِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى نَأَى وَقِيلَ: نَاءَ مِنَ النَّوْءِ وَهُوَ النُّهُوضُ وَالْقِيَامُ.
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ الشِّدَّةُ وَالضَّرَرُ ﴿كَانَ يَئُوسًا﴾ أَيْ آيِسًا قَنُوطًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَضَرَّعُ وَيَدْعُو عِنْدَ الضُّرِّ وَالشِّدَّةِ فَإِذَا تَأَخَّرَتِ الْإِجَابَةُ يَئِسَ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَيْأَسَ مِنَ الْإِجَابَةِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَيَدَعُ الدُّعَاءَ.

(١) ساقط من "أ".
(٢) أخرجه البخاري في التفسير باب: "وقل جاء الحق وزهق الباطل... ": ٨ / ٤٠٠.


الصفحة التالية
Icon