وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا قَدِ اجْتَمَعُوا وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا نَشَأَ فِينَا بِالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ وَمَا اتَّهَمْنَاهُ بِكَذِبٍ وَقَدِ ادَّعَى مَا ادَّعَى فَابْعَثُوا نَفَرًا إِلَى الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَاسْأَلُوهُمْ عَنْهُ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَبَعَثُوا جَمَاعَةً إِلَيْهِمْ فَقَالَتِ الْيَهُودُ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَإِنْ أَجَابَ عَنْ كُلِّهَا أَوْ لَمْ يُجِبْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ وَإِنْ أَجَابَ عَنِ اثْنَيْنِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْ وَاحِدَةٍ فَهُوَ نَبِيٌّ فَسَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ فُقِدُوا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ؟ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجِيبٌ وَعَنْ رَجُلٍ بَلَغَ شَرْقَ الْأَرْضِ وَغَرْبَهَا مَا خَبَرُهُ وَعَنِ الرُّوحِ؟ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ غَدًا وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَبِثَ الْوَحْيُ -قَالَ مُجَاهِدٌ: اثْنَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا-وَأَهْلُ مَكَّةَ يَقُولُونَ: وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا وَقَدْ أَصْبَحْنَا لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مُكْثِ الْوَحْيِ وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ مَكَّةَ ثُمَّ (١) نَزَلَ جِبْرِيلُ بِقَوْلِهِ: "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ" وَنَزَلَ فِي قِصَّةِ الْفِتْيَةِ (٢) "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا" وَنَزَلَ فِيمَنْ بَلَغَ الشرق والغرب "ويسئلونك عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ" وَنَزَلَ في الروح "ويسئلونك عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" (٣).
وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّوحِ الَّذِي وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَلَكٌ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ وَجْهٍ لِكُلِّ وَجْهٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى بِكُلِّهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَلْقٌ عَلَى صُوَرِ بَنِي آدَمَ لَهُمْ أَيْدٍ وَأَرْجُلٌ وَرُءُوسٌ وَلَيْسُوا بِمَلَائِكَةَ وَلَا نَاسٍ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقًا أَعْظَمَ مِنَ الرُّوحِ غَيْرَ الْعَرْشِ لَوْ شَاءَ أَنْ يَبْتَلِعَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَنْ فِيهَا بِلُقْمَةٍ وَاحِدَةٍ لَفَعَلَ صُورَةُ خَلْقِهِ عَلَى صُورَةِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَصُورَةُ وَجْهِهِ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ يَقُومُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَهُوَ أَقْرَبُ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ عِنْدَ الْحُجُبِ السَّبْعِينَ وَأَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مِمَّنْ يَشْفَعُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ وَلَوْلَا أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ سِتْرًا مِنْ نُورٍ لَاحْتَرَقَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ مِنْ نُورِهِ.
وَقِيلَ: الرُّوحُ هُوَ الْقُرْآنُ.
(٢) في "ب": ونزل في الفتية.
(٣) أخرجه ابن إسحاق والطبري وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل. انظر: الدر المنثور: ٥ / ٣٥٧، ابن كثير: ٣ / ٧٢ أسباب النزول ص (٣٣٨).