الْمُحْصَنَةَ وَلَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةَ الْيَهُودِ أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ فَقَبَّلَا يَدَهُ وَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي؟ قَالَا إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ أَنْ يَقْتُلَنَا الْيَهُودُ (١).
﴿فَاسْأَلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ﴾ مُوسَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مَعَهُ وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَاطَبَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمَرَهُ بِالسُّؤَالِ لِيَتَبَيَّنَ كَذِبَهُمْ مَعَ قَوْمِهِمْ. ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا﴾ أَيْ: مَطْبُوبًا سَحَرُوكَ قَالَهُ الْكَلْبِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَخْدُوعًا.
وَقِيلَ مَصْرُوفًا عَنِ الْحَقِّ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: سَاحِرًا فَوَضَعَ الْمَفْعُولَ مَوْضِعَ الْفَاعِلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: مُعْطًى عِلْمُ السِّحْرِ فَهَذِهِ الْعَجَائِبُ الَّتِي تَفْعَلُهَا مِنْ سِحْرِكَ (٢).
﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (١٠٢) ﴾
﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ قَرَأَ الْعَامَّةُ بِفَتْحِ التَّاءِ خِطَابًا لِفِرْعَوْنَ وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِضَمِّ التَّاءِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَقَالَ: لَمْ يَعْلَمِ الْخَبِيثُ أَنَّ مُوسَى عَلَى الْحَقِّ وَلَوْ عَلِمَ لَآمَنَ وَلَكِنْ مُوسَى هُوَ الَّذِي عَلِمَ (٣) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلِمَهُ فِرْعَوْنُ وَلَكِنَّهُ عَانَدَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا" (النَّمْلُ-١٤).
وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ وَهِيَ نَصْبُ التَّاءِ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُرَّاءِ لِأَنَّ مُوسَى لَا يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِعِلْمِ نَفْسِهِ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ رَفْعُ التَّاءِ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَجُلٍ مَنْ مُرَادٍ عَنْ عَلِيٍّ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مَجْهُولٌ وَلَمْ يَتَمَسَّكْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ غَيْرَ الْكِسَائِيُّ (٤).
(٢) تفسير الطبري: ١٥ / ١٧٤.
(٣) قال الطبري: غير أن القراءة التي عليها قراء الأمصار خلافها وغير جائز عندنا خلاف الحجة فيما جاءت به من القراءة مجمعة عليه". التفسير: ١٥ / ١٧٤.
(٤) وكذلك قال ابن الجوزي في "زاد المسير": (٥ / ٩٤) :"والقراءة الأولى -بفتح التاء- أصح لاختيار الجمهور ولأنه قد أبان موسى من المعجزات ما أوجب علم فرعون بصدقه فلم يرد إلا بالتعلل والمدافعة فكأنه قال: لقد علمت بالدليل والحجة "ما أنزل هؤلاء" يعني الآيات".