﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤) ﴾
﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (٥) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (٩) ﴾
﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾ أَيْ: مُقِيمِينَ فِيهِ. ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾. ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ﴾ أَيْ: قَالُوهُ عَنْ جَهْلٍ لَا عَنْ عِلْمٍ ﴿كَبُرَتْ﴾ أَيْ: عَظُمَتْ ﴿كَلِمَةً﴾ نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ يُقَالُ تَقْدِيرُهُ: كَبُرَتِ الْكَلِمَةُ كَلِمَةً وَقِيلَ: مِنْ كَلِمَةٍ فَحُذِفَ "مِنْ" فَانْتَصَبَ ﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ أَيْ: تَظْهَرُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴿إِنْ يَقُولُونَ﴾ مَا يَقُولُونَ ﴿إِلَّا كَذِبًا﴾ ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ﴾ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴿إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ أَيِ: الْقُرْآنِ ﴿أَسَفًا﴾ أَيْ حُزْنًا وَقِيلَ غَضَبًا. ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا﴾ فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ: زِينَةٍ فِي الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالشَّيَاطِينِ؟
قِيلَ: فِيهَا زِينَةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادَ بِهِ الرِّجَالَ خَاصَّةً وَهُمْ زِينَةُ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْعُلَمَاءَ وَالصُّلَحَاءَ وَقِيلَ: الزِّينَةُ بِالنَّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ كَمَا قَالَ: "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ" (يُونُسُ-٢٤).
﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ لِنَخْتَبِرَهُمْ ﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ أَيْ: أَصْلَحُ عَمَلًا. وَقِيلَ: أَيَّهُمُّ أَتْرَكُ لِلدُّنْيَا. ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ فَالصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: هُوَ التُّرَابُ "جُرُزًا" يَابِسًا أَمْلَسَ لَا يُنْبِتُ شَيْئًا. يُقَالُ: جَرَزَتِ الْأَرْضُ إِذَا أُكِلَ نَبَاتُهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ يَعْنِي: أَظَنَنْتَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا أَيْ: هُمْ عَجَبٌ مِنْ آيَاتِنَا.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَعْجَبَ مِنْ آيَاتِنَا فَإِنَّ مَا خَلَقْتُ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ الْعَجَائِبِ أَعْجَبُ مِنْهُمْ.


الصفحة التالية
Icon